علي حسين
خلال الأيام الماضية سمعنا كثيراً من الجدل، وقرأنا العديد من التعليقات والكتابات التي يطالبنا أصحابها بأن نتوخى الدقة ونحن نتحدث عن رئيس برلمان منتخب مثل راشد الغنوشي، ويذهب البعض منهم شوطاً أبعد حين يقول: كيف تريدون إجهاض عملية سياسية جاءت عبر صناديق الاقتراع، فأنتم بذلك إنما تسقطون الديمقراطية؟! وكانت بعض الكلمات مضحكة وهي تتهم الإمارات بأنها كانت وراء قرارات الرئيس التونسي.
للأسف يفهم البعض الديمقراطية على أنها فعل مجرد بلا قيم ومبادئ.. ويتصور آخرون أن الديمقراطية يمكن أن تسمح لمن جاء عبر صناديق الاقتراع، بأن يمارس الفشل والتسلط، يقرر فلا يراجعه أحد، ولا ترد له كلمة.. يقولون إن حركة النهضة حصلت على ملايين الأصوات، وهي التي تمنحها تفويضاً لملكية تونس بكل مؤسساتها. ولكنهم لا يسألون سؤالاً مهماً: كيف تصل إلى الحكم بطرق ديمقراطية، ثم تصر على فرض أساليب استبدادية؟ كيف تؤدي اليمين للحفاظ على استقلالية مؤسسات الدولة، ثم تبدأ بابتلاعها الواحدة بعد الأخرى؟ كيف تصعد إلى كرسي الحكم بالديمقراطية، ثم تعمل جاهداً على تدمير كل أسس الدولة المدنية؟.. أليست هذه خيانة للصندوق وللملايين التي ذهبت لانتخابك؟ .
عندما يسعى الأخوان المسلمون في تونس إلى تخريب مؤسسات النزاهة والقضاء والإعلام، بدلاً من تقويتها ومنحها استقلالية كاملة، فهم حتماً يهينون صناديق الاقتراع، ويسخرون من الأصوات التي انتخبتهم، وعندما تُسرق أحلام الناس وتطلعاتهم ببلد آمن ومستقر، من أجل فرض نظام حكم لا يؤمن بالشراكة في الأرض والتاريخ، فإن على الناس أن تخرج لتنبه إلى الكارثة التي ستطيح بالبلاد.
ماذا فعل المنتخَبون من أمثال الغنوشي غير التلاعب بكلمات مثل الشرعية والديمقراطية والحياة النيابية، وأضيف لها دولة النهب تحت شعارات الإيمان؟.
وأرجو أن يتذكر أصحاب صناديق الاقتراع، أن الغنوشي ومعه حركته من الأخوان المسلمين هم الذين وضعوا دولة مدنية مثل تونس بهذا المأزق، وهم الذين يصرون على إشعال الفتنة.
الاستقرار والرفاهية لا تأتي أبداً بالشعارات، فهذه أدوات استخدمت لصناعة الفشل والخراب.. من سوء الحظ أنه بعد سنوات ما يزال الكثير من سياسيينا يمارسون الخديعة والكذب، ومن سوء الحظ أيضا أن مسؤولين كباراً يتغنون بالديمقراطية كل صباح لكنهم لا يمانعون من الانقضاض عليها حين تتعارض مع مصالحهم الخاصة.
في ديمقراطية الغنوشي فإن الذين يؤيدونك هم أولياء الله الصالحون، أما الآخرون فهم عملاء ينفذون أجندات خارجية.
ليس من حق أحد البكاء والعويل على ديمقراطية زائفة وليس من حق أحد الصمت على هلوسة أحزاب الإسلام السياسي.. التونسيون منحوا أملاً للشعوب التي تم إجهاض حلمها بالمستقبل.. لأنهم قالوا " لا " لكل غنوشي مراوغ.
جميع التعليقات 2
سمراء
أليس ما يجري في عراقنا الحبيب هو ما جرى لتونس ،ولكن هل سيجد وطننا قيس سعيدة يُصلح الأوضاع ويصفع الفاسدين بفسادهم ويؤسس دولة مدنية بعيدة كل البعد عن المتأسلمين أصحاب النفوس الفاسدة والضمائر المتحجرة .
محمد حميد مجيد
نعم، الديمقراطية كما يفهمها أبناء هذه الأمة التَعبانة هي سلم يتسلقونه ليتربعوا في القمة ليُخدَموا بدل ان يخدِموا، وليخربوا وينهبوا بدل ان يبنوا ويعمروا. دُمتَ متألقاً في تحليلاتك أستاذ علي.