TOP

جريدة المدى > عام > من أدب انتفاضة تشرين..طه حامد الشبيب يؤرخ لها بروايته (خِلِوّ)

من أدب انتفاضة تشرين..طه حامد الشبيب يؤرخ لها بروايته (خِلِوّ)

نشر في: 15 أغسطس, 2021: 11:30 م

شكيب كاظم

في رواياته كلها، وأنا أزعم إني قرأت هذا الفيض الروائي الإبداعي منذ (إنه الجراد) 1995، الذي أغدقه وما زال يغدقه علينا الروائي المحلق طه حامد الشبيب؛

في رواياته كلها يستند طه في إبداعه على خياله المجنح، المحلق عاليا في أجواز عوالم السرد والقص؛ إنه يحرث في أراض بكر، غير ممهدة، يسعفه هذا العقل الجوال المبدع المكتنز بالصور والحوادث والأخيلة، تردفه وتسمو به لغة لا أرقى منها.

استخدامه للغة بهذه الفنية العالية، وربما في تصريفات مبتكرة غنية، ليست خارج نطاق الاستخدام اللغوي الصحيح، إنها مستمدة من سنن العرب في كلامها، فلغة العرب استندت إلى اقنومين؛ مفهومين هما:( السماع) فما سُمِع عن العرب في باديتهم وصحرائهم فضلا عن حواضرهم؛ مَدَرِهم ووَبَرِهم، والمفهوم الثاني ( القياس) فما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم ولغتهم، ولهذا يشتق طه حامد الشبيب، اشتقاقات لغوية رصينة مبتكرة، يرصع بها سرده الفني عالي المستوى، ولقد رأيت هذه الميزات تفصح عن نفسها وأنا أجوس خلل أو خلال روايته، التي صدرت في ضمن مطبوعات الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق سنة ٢٠٢١.

(خِلِوّ) هو عنوان هذه الرواية الرائدة التي خصصها طه للحديث عن انتفاضة تشرين الأول ٢٠١٩، وطه لا يسمي الأشياء بمسمياتها، فله لغته الخاصة، ونعوته المبتكرة وصفاته، فهو ينعت الانتفاضة التشرينية، وهذا ما تعارف عليه الناس بـ( أيام الهيجان الكبير) ويظل يطلق هذا النعت على هذه الانتفاضة الشبابية، وكما أطلق صفة (المُعْظَم) على الناس في العراق، الذين كانوا يشون بالآخرين، لا لشيىء سوى التقرب من السلطة ونيل بركاتها وأعطياتها، لا بل كان بعضهم خدما للسلطة، أكثر من خدمها المنتفعين منها، إنهم من خوفهم يدرأون عن أنفسهم الأذى بإيقاع الأذى بالآخرين، مثل النعاج التي تفزعها مهاجمة الذئب لها، فتذهب نحوه صاغرة مذعنة، كي تتخلص من رعبها، فإنها في ( خِلِو) الذي جعله طه حامد الشبيب عنوانا لروايته هذه، إنما عنى بذلك عزوف الكثير من الناس عن المشاركة، وحياديتهم إزاء ما يحدث وكأن الأمر لا يعنيهم، إنهم يخلون الساحة لمن يوقع الأذى بشبان الهيجان الكبير كما يصفه الروائي طه حامد الشبيب.

وإذ تتفشى الجائحة الكورونية في العالم كله، ومنه العراق بدءا من السنة ٢٠٢٠، وكانت انتفاضة الشباب على وشك أن تؤتي أُكُلَها، ولا سيما بعد أن حصلت على اهتمام وتعاطف ومؤازرة مراجع عليا مؤثرة ومحترمة في الحياة العراقية، وحصلت على بعض مطالبها، وكانت تأمل بالمزيد، دخل هذا الجائح الجديد ليغير من المسار، فلقد لزمت الناس بيوتها، لكن الخيال المجنح لطه ما يستخدم هذه الأوصاف فله لغته الخاصة ونعوته، فـ( المخلوقات الكونية) التي انتشرت في هواء العالم، كان لها أثرها السلبي على شباب الهيجان الكبير، لكن طه الروائي- تضامنا مع هؤلاء الشباب وتعاطفا معهم- ما جعل هذه الآفة تفتك بالشباب، بل جعلها تهرب منهم بسبب الرائحة التي تضوع من أجسادهم، رائحة عرقهم، لا بل جعل حتى غبار ساحات الاعتصام دريئة لأجساد من يهبون لنجدة الشباب وهم يتصدون لـ( الكائنات الكبيرة) التي تأتمر بأوامر تأتيها من خارج الحدود.

في الرواية هذه ( خِلِوّ) شيىء من الغرائبية، شيىء من الفانتازيا السحرية، فهذا الجندي العراقي، مع جندي البلد الآخر، اللذين يستمعان لـ( صوت الجبار) يحلّقان في الأعالي ناظرين إلى الأرض، كأنهما مسبار فضائي، وتنعقد بينهما صداقة غامرة فياضىة، للدلالة على محبة الشعوب بعضها بعضاً، لا بل أن هذا الجندي ( حاتم الديو) يمنحه الروائي ميزة أن يحدس بالآتي، توقع الذي سيحصل، لا بالتفصيل الدقيق، ولكن في الإطار العام، حدس عام، إنه يرى القابل من الأيام بعيون باصرة مستبصرة، فعلى الرغم من أن حكومة الحزب ألحاكم الأوحد؛ صاحبة العراك المستديم مع بلد الجندي أخيه، كانت لا تزال قائمة يوم خروجه من السجن، إلا إنه قال إنها ستنهار قريبا جدا (..) قال لنا إنه رآها تنهار أمام عينيه، هو وصاحبه هناك فوق في الأعلى ينظر بعيدا، إلى أقاصي الزمن القادم، تحت ضربة هائلة تأتي من خارج البلاد، رأى أن الدنيا ستنقلب رأسا على عقب.ص٥٤

قلت إن الروائي طه حامد الشبيب حُبِيَ بموهبة الكتابة الفنية العالية لغويا، لذا فإنه يلبس لكل حال لبوسها، إنه يقترب من العامي المحكي، حين ينقل حديث (نشمية أم الخبز) التي تسجر تنورها الطيني في ساحات الهيجان الكبير- على لغة طه- وتطعم الشباب خبزا حارا، يؤازرها الشيخ أبو كريم شبيه حاتم الديو، جالبا لها الحطب، كي يكون الخبز أطيب مذاقا في أفواه الشباب، لا الخبز المشوي بالغاز!

حين ينقل لنا حديث نشمية الخبازة - وعلى الرغم من ادعائها أنها تتكلم بـ(النحوي)؛ أي الفصيح وكثيرا ما صحح لها هذه الهفوة طالبا منها أن تقول بـ(الفصيح) لا بالنحوي!- أقول، حينما ينقل للقراء لغة نشمية، فإنه يُنطِقُها بعامية بسيطة، حتى إنه في مواضع عدة يضطر إلى نقلها للفصيحة كي يعرفها القراء العرب، لكنه يتألق لغويا وهو ينقل حديث الشاب المثقف ( ضرغام) المشارك بالهيجان الكبير، لا بل من قادته ومُنظّرِيه، حتى أن نشمية تتركهما بحجة جلب الشاي للضيف الشاب، لأنها ما عادت تفهم شيئاً مما يقوله ضرغام! مؤكداً أن ليس بالضرورة أن يتوفر الشخص على رصيد ثر من القراءات والاطلاع على ضروب الجمال ووو حتى يتشكل وعيه بأهمية الإصرار على رفض واقع لا يتلاءم وإنسانية الإنسان (..) أي أنا لا الغي أهمية كل ذلك في اكتساب بني البشر صفة الإنسان الإنسان(..) بل محكوم بخصوصية الواقع الذي كنا نعيشه أصحابي وأنا في ساحات الاعتصام (..) أي أن غيرتنا على أنفسنا مشفوعة بغيرتنا على بلدنا، هي ما هيأ الظرف النفسي المطلوب لتحمل أعباء الهيجان الكبير الذي تفجر على نحو جمعي...ص٢١٣ص٢١٥

ولمزيد من التشويق وتشغيل خيال القارىء، فإن الروائي العراقي المبدع طه حامد الشبيب، يترك الكثير من الحوادث من غير توضيح، ترى لماذا قتلت ( رضية) و( علاهن) أختا ( جمعة) القهوجي، ؟ ومن قتل مسؤول المدينة الحزبي؟ ولماذا سجن جمعة؟ وقبل ذلك لبسه الدشداشة السوداء سنوات طويلة، فيتركها روائينا لتفسير القارىء وحدسه وتخمينه.

أرى أن جزءا مهما من مهمات الكتابة وواجباتها، تشغيل حدوس القارىء وخياله وتفاسيره.

٢٣/

٤٤/ حاتم الدين

٥٦/

/ضم التاء كسر الطاء وضم القاف

ومنظريه/ضم الميم شد الظاء كسر الراء

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر
عام

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حاوره: علاء المفرجيرواء الجصاني من مواليد العراق عام 1949، -أنهى دراسته في هندسة الري من جامعة بغداد في عام 1970، نشط في مجالات الاعلام والثقافة والفعاليات الجماهيرية داخل، -العراق حتى العام 1978، وفي الخارج...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram