د. صلاح عبد الوهاب نشأتهينحدر حسين جميل من اسرة ال جميل زادة، الذي حملت الاسرة اسمه – والذي خلف اربعة ابناء هم عبد الجليل وعبد الحسن وعبد الغني وعبد الحميد وحيث توفي عبد الحميد بدون عقب، اصبح الابناء الثلاثة الآخرون هم الذين يمثلون اسرة "جميل زاده" ومن بعدهم ابناؤهم واحفادهم.
وبرز من بين هذه الفروع الثلاثة فرع عبد الغني – وكان اصغرهم – الا انه كان اكثرهم للمسؤوليات السياسية، اذ لعب دورا متميزا في تاريخ العراق السياسي الحديث من منطلق تمسكه بالفكر العربي القومي واهتمامه بشؤون العراق السياسية. ولمكانته المرموقة لدى الوالي العثماني الجديد علي باشا القائد العسكري الذي ارسلته الدولة العثمانية للقضاء على عهد داود باشا لانفراده بالسلطة واستقلاله عن الدولة العثمانية منح منصب الافتاء للحنفية، وهو اعلى منصب رفيع يشغله عراقي من غير الاتراك. ولتعمق الروح الوطنية والقومية عند عبد الغني، ضاق صدراً في تحمل اعمال استبداد علي باشا الوالي الجديد، واستمرار تنكيله وتعذيبه العراقيين ليدلوا الدولة على مكمن ثرواتهم لمصادرتها، ثار عبد الغني ومعه من الثوار الوطنيين ضد هذا الوالي المستبد فلجأ عبد الغني مختبئاً عند عشيرة عقيل التي تمكنت من تهريبه الى مدينة عنه. وهكذا كانت لهذه السيرة الوطنية لعبد الغني اعمق الاثر في نفس حسين جميل، والتي جعلت منه ثائرا على السلطة عندما اصبح طالبا في الثانوية في بغداد، ومن هنا اصبح عبد الغني عند ابناء واحفاد ال جميل زاده المثال الوطني الذي يحتذى به. ومكانة عائلة حسين جميل، في اولاد جميل زادة انها تنحدر من فرع عبد الجليل المار ذكره والتي شغل غالبية ابنائها مناصب قضائية ووظائف عالقة في الحكومة. ولد حسين جميل في 8 شباط عام 1908 في كربلاء في دار جده احمد جميل الذي كان قاضياً يوم ذاك في كربلاء ، اذ كان والده عبد المجيد جميل قد نقل الى كربلاء عام 1921 وبعد نقل والد حسين الى العمارة حيث اكمل حسين جميل دراسته الابتدائية فيها.. وهكذا تنقل حسين جميل مع عائلته في عدد من مدن العراق مثلا كربلاء والنجف وبعقوبة والبصرة التي ذهب اليها، بالمركب النهري عندما كانت وظيفة والده في العمارة ليؤدي امتحان السنة الاخيرة من الدراسة الابتدائية وحيث لم تتيسر يوم ذاك مدارس ثانوية في المدن العراقية، فقد انتقل حسين جميل الى بغداد لاكمال الدراسة الثانوية، اذ لم تكن يومذاك في العراق سوى ثانويتين احدهما في بغداد والثانية في الموصل ، وهكذا اكمل دراسته الابتدائية عام 1922 -1923 في العمارة. كان قدوم حسين جميل الى بغداد وسكناه في دار واحدة مع اخيه مكي الجميل الذي يكبره بست سنوات والذي كان طالبا في مدرسة الحقوق وابن عم له يسكن سلالم ، قد فتح صفحة جديدة في حياته اذ بدأ يستمع الى المناقشات السياسية التي كانت تنشط في دار اقامتهم هذه ويطلع على الصحف والمنشورات التي يحصل عليها شقيقه وابن عمه. rnتوجهه العلمي والثقافي  هكذا بدأت تتفتح ذهنية حسين جميل بوجوده في بغداد وبين اقرانه متقدمين في ثقافتهم وكان كما يقول حسين جميل قد وقف على اهم الاحداث العالمية والعربية ومنها الثورة البلشفية في روسيا وثورة سعد زغلول في مصر، وثورة مصطفى كمال في تركيا، كما سمع من المناقشات التي كانت تدور في دار سكناهم بالنقاط الاربع عشرة التي اعلنها الرئيس الاميركي ودرو بلسن ولم يقف الامر عنده عند هذه الاحداث والتطورات السياسية، بل بدأ يقرأ في كتب التاريخ والادب ويذكر منها قراءته لروايات جرجي زيدان حول التاريخ الاسلامي. ومصدر اخر كان حسين جميل ينهل منه ويطلع على احدث التغيرات السياسية في الوطن العربي والعالم وذلك من خلال الصحف العربية المختلفة التي كان يعرضها المعهد الثقافي الذي اسسه ثابت عبد النوري في بغداد والذي كان يهدف الى تعليم الاميين ، والذي عرف بالمعهد العلمي ، وهو معهد اهلي اسس بدوافع وطنية خالصة. ويقول حسين جميل ان اول كتاب سياسي قرأه هو كتاب، الانتداب وروح السياسة الانكليزية  تأليف راشد طبارة، وكان من الكتب الممنوع دخولها وكانت مثل هذه الكتب يتم تهريبها من قبل بعض المكتبات الوطنية.. ومن النشاطات السياسية الوطنية التي برزت في الساحة العراقية، والتي جلبت انتباه حسين جميل المطالبة الشعبية بجمع مجلس تأسيسي بالانتخابات لسن دستور للبلاد وقانون انتخاب النواب ، كما كان لنشر مشروع القانون الاساسي في الصحف. rnنمو الوعي السياسي والقانوني عند حسين جميل كانت هذه التطورات في الساحة السياسية البداية الصائبة لنفتح ذهن حسين جميل نحو الديمقراطية ومؤسساتها وبعض مفاهيمها ، مع ما عاصرها من احداث سياسية وقيام تنظيمات حزبية كتلك التي قامت في مصر كحزب الوفد وحدود حزبية التي كان يصل الى العراق بعض اعدادها. الى جانب هذه البذرة الديمقراطية ومفاهيمها ، كانت هناك بذرة جديدة، اخرى تمثلت بالفكر التقدمي الذي نشأ من ترويج بعض مفاهيم الماركسية والتي كانت تتأتى عن طريق حسين الرحال، وبعض الرحال وبعض المثقفين الذين كان يجالسهم شقيقه المرحوم مكي الجميل، وعن طريق مجموعة من المثقفين التقدميين امثال سليم فتاح، ومصطفى علي ومحمود احمد المدرس وعوني بكر صدقي وع