ترجمة: عدوية الهلالي
قبل بلوغهم سن الرشد، يبقى لدى اصدقاء الطفولة أسرار وتحديات يتقاسمونها..بهذه الطريقة، قدمت الروائية الفرنسية كلودي جالي شخصياتها بحنان في روايتها الجديدة (ماقبل الصيف)
والتي تعكس صورة محببة للحياة الريفية في الثمانينات عبر حكاية ثلاث فتيات تجمع بينهن صداقة حميمية وأقدار متشابكة..وهذه الرواية لاتضم سردا عاديا بل تمثل اكتشاف لوجود تم تشكيله وفقا للأحداث واللقاءات والأمزجة الآنية..
في البلدة الصغيرة التي تجري فيها الاحداث يعرف الجميع بعضهم البعض، ومع ان لاشيء خطير يحصل فأن كل شيء يعج بالحياة والمشاعر المتزايدة والأحلام والخطط..في الرواية، ثلاث فتيات يعرفن بعضهن منذ الطفولة وبعد اجتياز فترة المراهقة وقبل وصول فترة البلوغ والنضج تبدأ الحكاية، اذ تقرر الصديقات الاستعداد لخوض مسابقة المواهب التي ستقام في مهرجان الربيع، قبل الصيف مباشرة، ولتقديم ابداع مختلف، تقرر الفتيات تقديم عرض أزياء مايفرض عليهن التعامل مع قصاصات القماش والأفكار المبتكرة..
من بين الفتيات الجميلة جولييت وهي واثقة من سحرها والتي تعمل كمدبرة منزل للسيدة بارنز، وهناك أيضا كاميل بوكلي التي تعشق الاكسسوارات، وبروسيل الخبازة التي تساعد اهلها في فرن الخبز، ولكل من تلك الفتيات دور تلعبه مع وجود بعض التنافر بين ادوارهن..وعندما تبدأ الفتيات الاستعداد لرحلتهن المنتظرة الى المسابقة، تقول احداهن وهي تنتظر ماسيقدمه لها المستقبل:»يجب أن نكون أكثر حرصًا، وألا نترك الكثير من الأشياء للصدفة، مما يجعل الحياة مشوشة قليلاً. «
تبدأ الفتيات في الخياطة ويكشفن مكنونات أنفسهن ويستمتعن، بينما يعيق ذلك وصول مدام بارنز، المالكة الأصلية للمكان الذي تمارس فيه الفتيات هواياتهن وهي امرأة غريبة الأطوار استخدمت جولييت لخدمتها..ولأن الحياة اصبحت بالنسبة لها بدون مفاجآت، فلا شيء مثل ذلك يثير الغيرة، وهو ماجعل السيدة العجوز تحسد شبابهن..وتقول: «ضيعت أيامًا كثيرة في انتظار الغد. بينما كان الغد هنا، بين يدي، في جمال الزهور التي تتنفس والفراشات التي تحلق حولي. ففي سنها، لا تزال السيدة بارنز تبحث عن نفسها..
ومن الأسرارالصغيرة،يؤدي ظهور الشاب جيس في حياة بروسيل إلى الانتقال الى مرحلة السرية العميقة، اذ تتقاسم الفتيات الكبار أحلامهن ورغباتهن: تقول الاولى: «لا أريد رجلاً، أريد حبًا عظيمًا». وتقول الاخرى:«عليك أن تتحلي بالصبر. في بعض الأحيان تحدث الأشياء عندما نتوقف عن انتظارها. أو أنها أشياء أخرى تحدث لنا، على حين غرة، ثم تنقلب حياتنا رأسًا على عقب، فلا شيء يبقى كما كان من قبل».
تبدأ جولييت في التفكير في نفسها كنجمة فتقول عنهاصديقتها: «جولييت صديقتي لكنها يمكن أن تكون مؤذية. لقد كانت دائمًا هكذا» ويلخص جيس رأيه فيها قائلا:«لتتبع حياتها كما تريد» ،. وعندما تصبح بروسيل حاملاً، يفهم الجميع أنه في يوم من الأيام من الضروري أن تصبح الفتاة بالغة، أي أن تترك فترة الصداقات لتعيش حياتها... من دون أوهام، خاصة مع الرجال..تقول بروسيل: «المأساة هي أننا نتحدث كثيرًا لكننا لا نقول شيئا» وترد الاخرى: «الفرح شعور حيوي للغاية وعنيف، لكنه سرعان ماينحسر، في حين ان الحزن هو حالة تستمرمع مرور الوقت» ..
وتواصل الصديقات “ التفلسف” عبر اكثر من خمسمئة صفحة اذ تعمدت الكاتبة اطالة الرواية لخلق جو خاص والسماح للمشاعر المتناقضة بالظهور ثم يأتي التساؤل في نهاية الرواية عن ماهية الصداقة وحياة البالغين وقلوب النساء، فالفصول عبارة عن مشاهد مسرحية مرتجلة على مسرح الحياة حيث يعيش الجميع بشكل او بآخر تحت انظار الآخرين..
بأسلوب رشيق ودقيق، تقودنا المؤلفة كلودي جالي المولودة عام 1961والتي تنحدر من عائلة مزارعين، وكانت قد أمضت طفولتها في سان سافين (إيزير). وبدأت تكتب منذ المراهقة وتقبلت عائلتها هذا الحلم، لكنها عملت معلمة وكانت تحتفظ بمخطوطاتها ولاتنشرها..وفي عام 2001، نشرت اول رواياتها (مكتب المعيشة) واعقبته عدة روايات لكن صدورونجاح روايتها (تكسر الامواج) في عام 2008، أدى إلى تسليط الضوء عليها، وهو نجاح تم تأكيده مع نشر رواية (الحب جزيرة)، ومنذ نجاحاتها الأدبية الأولى، كرست جالي نفسها أكثر للكتابة، حيث قامت بالتدريس لمدة يومين فقط في الأسبوع..وتعيش جالي في قرية أوشو وتقدر هدوء وجمال الطبيعة ومواسمها اذ يساعدها ذلك على الكتابة..
يتميز أسلوبها بالرصانة وشخصياتها حساسة للغاية، وتعيش غالبا على هامش الحياة الاجتماعية فهي مغرقة بالحنان والوداعة.
ومن اهم اصداراتها التي نالت عنها جوائز رواية “فينيسيا فقط “ التي نالت عنها جائزة سيزيم للأدب عام 2004، ورواية “ تكسر الأمواج” التي نالت عنها جائزة قراء مدينة بريف لا غيلارد عام 2008، ثم الجائزة الكبرى للمحاضرات عام 2009،وجائزة قراء التيليغرام عام 2009، واصدرت بعدها رواية “ الحب جزيرة “ عام 2010و” السماء المفقودة” عام 2014،وفي نفس العام نالت الجائزة الكبرى لمدينة سانت ايتيان..وتعود الآن برواية (ماقبل الصيف) الصادرة عن دار آكت سود للنشر لتنثر كلماتها الفلسفية العميقة عبر مشهد جميل لطبيعة ريفية ساحرة..