ثائر صالح

تحدثت قبل مدة عن الصمت في الموسيقى (12 كانون أول 2020) واستخداماته، وقلت إن الصمت جزءاً لا يتجزأ من الموسيقى.

تكلمت عن استخدام السكتات (الصمت) ضمن العمل الموسيقي، ونعرف إن لكل علامة موسيقية ما يقابلها من "السكتة" الموسيقية بحساب قيم الزمن.

أمضي اليوم قدماً في موضوع الصمت، فأتناول موضوع الغرفة الصامتة، وهي غرف معزولة صوتياً تصمم خصيصاً لمنع تكون أي نوع من الصدى فيها. الغاية منها اختبار مختلف الأجهزة الصوتية والأدوات الألكترونية مثل السماعات أو الميكروفونات بالدرجة الأولى. عادة ما تنشأ هذه الغرف الخاصة ضمن معاهد الأبحاث أو ستوديوات التسجيل، وهي مصممة لامتصاص أكبر قدر من الأمواج الصوتية ومعزولة عن الضوضاء الخارجية صوتياً لدرجة كبيرة. لهذا تسمى بالإنكليزية "Anechoic Chamber” أي الغرفة الخالية من الصدى. توجد هذه الغرف في مختلف بقاع العالم وتستعمل لمختلف الأغراض، مثلاً لدى شركة بوس في هاماماتسو (اليابان) أو معهد الألسنيات في جامعة ستوكهولم أو معهد أبحاث القوة الجوية الأمريكية في دايتون، أوهايو (أمريكا)، وحتى شركات السيارات تستعملها لقياس مستوى الضجيج الذي تبعثه مختلف أجزاء السيارة (من المحرك حتى العجلات أو ماسحات المطر) بهدف تقليل الضجيج المنبعث منها.

من أشهر هذه المؤسسات مختبرات أورفيلد (مينيابوليس، أمريكا) التي ساعدت ستوديو Sound 80 Studios في مينيابوليس لتطوير تقنيات التسجيل فيها، وهو من أوائل الستوديوات التي استعملت مثل هذه الغرف، تأسس في 1970 وأصبح السبّاق في انتاج أول تسجيل الرقمي سنة 1978. تبلغ „قيمة” الضجيج في غرفة المختبرات -9,4 ديسي بيل (قيمة سالبة). وحتى نستطيع فهم ما يعني هذا الرقم، نقول إن مستويات الضجيج التي يُسمع فيها صوت التنفس +10 ديسي بيل، والهمس +20 ديسي بيل، بينما يمثل الصفر عتبة السماع الدنيا للأذن البشرية. كانت هذه الغرفة الصامتة تعتبر „أكثر الأماكن صمتاً في العالم” قبل أن تزيحها غرفة ميكروسوفت عن عرشها سنة 2015 ببناء غرفة صامتة جديد أكثر فاعلية في „صمتها” الذي يبلغ ناقص 20,3 ديسي بيل. دام تصميم الغرفة الجديدة سنتان وتقع في مقر مايكروسوفت في ردموند، واشنطن (الولايات المتحدة) وتستعمل في اختبار أداء أجهزة الشركة مثل أكس بوكس.

يقول من كان في مثل هذه الغرف أن الصمت مطلق لدرجة تثير الارتباك. فبسبب خلو الهواء فيها من الأمواج لا تحس الإذنان بأي تأثيرات مما قد يؤدي إلى فقدان المرء التوازن. وفي ظروف الصمت المطلق هذه يمكن للمرء سماع دقات قلبه، ثم صوت الدماء وهي تسير قي عروقه، وهي تجربة يمكن وصفها بالمخيفة. وتتفق التقارير على صعوبة البقاء في الغرف الصامتة لفترة طويلة، لا يعرف عن تحمل أي شخص البقاء لوحده فيها لساعة كاملة.

يحتاج الأداء الموسيقي إلى قدر متوازن من الصدى وانعكاس الصوت، فلا الغرف الصامتة مناسبة كقاعات للسماع بسبب خلو الموسيقى من أي نكهة، ولا القاعات الضخمة عالية الصدى بسبب تداخل الأصوات. وكان باخ يحسب وقت اختفاء الصوت في القاعة التي يعزف فيها ليقرر ما هي الأعمال المناسبة للتقديم فيها.