علاء المفرجي
يكشف كتاب «عنف المقدس في الأساطير العراقية»، للناقد والباحث العراقي ناجح المعموري، والصادر عن دار المدى للنشر،عن أهمية حضوره الثقافي المتنوع بين سوسيولوجيا الميثولوجيا وانثربولوجيا الطقوس.
ويبدو أن صدور الكتاب يتمظهر عن ضرورات اجتما- سياسية وثقافية ملحة، مرتبطة بالتحولات الكبرى التي حصلت بالعالم العربي في «ربيعه» وصعود العنف الذي قاد العديد من البلدان العربية الى تحولات تراجيدية، ابتدأت وما زالت في البعض منها دموية. ولأن العراق أكثر البلدان تبدّياً لصراع القوى الاجتماعية والسياسية بعد الاحتلال، إستدعى ضرورات الانتباه لعلم الانثربولوجيا وأهميته، وأعتقد أن غياب قاعدة ثقافية للانثربولوجيا بالحياة العراقية أحد أهم الأسباب التي أفضت الى تعقيد الصراعات وتعطل الحلول.
يثير الكتاب كثيرا من الملاحظات التي تستدعي الفحص والقراءة لأنه يومئ مجازياً للخلل المهيمن على الحياة العراقية، لذا برزت أهمية العودة لخزان الذاكرة الخاص بالحضارة العراقية القديمة واستدلال تاريخ النصوص وطقوس العنف التي قادها أبرز الآلهة بالعراق القديم مثل آنو / أنليل / أنكي / شمش / الإلهة أنانا عشتار. وتكشف تفاصيل الكتاب أكثر السرديات توحشاً وتدميراً حفظتها أهم النصوص الأسطورية. لذا حقق هذا الكتاب حضوراً متمركزاً مهما. وما زالت الأوساط بإنتظار إهتمام أقسام العلوم الانسانية بالجامعات بدراسة هذه التجربة الجديدة. وتوصل المعموري الى أكثر الحقول مساعدة على فحص خزان الذاكرة ـــ الأساطير ــــ وهو الأدب المعني بالندب والمراثي بوصفه فضاء واسعاً وفر للباحث فرصة ثقافية مهمة نجحت في قراءة الأصول الثقافية في الأدب العراقي القديم. لأن تاريخ أية أمة من الأمم لا يخلو عبر مسيرتها التاريخية الطويلة من أحداث تتصف بالعنف والقتل والظلم والدموية والسلوك العدواني، لأن مثل هذه الثقافة وما يرافقها من عنف وتطرف لدى الانسان يكاد يكون صفة ثابتة معروفة وموجودة في تاريخ البشرية كلها.
وتوصل المؤلف الى أن الأدب / الشعر والأساطير والعقائد قدمت الكثير من التفاصيل الغزيرة عن الاستبداد الذي مارسه الملك جلجامش وتمركز شخصاً بطولياً في نص ملحمة جلجامش.
في حالة مجتمع كالمجتمع العراقي توجد ممنوعات وتابوهات اجتماعية، تمارس إزاحة للكائن القادر على مغازلة اليومي باستمرار وتقديم تصوراته عليه، لاسيما وأن المعيوش قد امتلك تاريخاً طويلاً ومؤثراً بدمويته، هذا يعني بأن المرحلة صعبة ومعقدة للغاية تتداخل عديد من العوامل في تبلورها وتشكيلها وتحفيزها على الظهور والبروز بقوة. وهذا بدوره يفضي الى مواجهة ظاهرة من ظواهر الاجتماع الانساني المعقدة والتي ترتبط بالتشكيلات الاجتماعية منذ بدء المجتمعات الانسانية، وظلت وما تزال تتطور وتتعقد في علاقاتها بمسألة القوة وتوزيعها ومشروعيتها، ومن ثم بعملية وضع القوانين سواء عبر الاعراف والتقاليد والأديان وصولاً الى الوثائق المكتوبة التي تحمل بعض القواعد التي تنظم السلوك الاجتماعي... وماتزال بعض القواعد التي تنظم السلوك الاجتماعي، وما تزال أشكال العنف وسياقاته تمثل أحد أبرز اهتمامات السلطات التشريعية والقضائية.
تضمن كتاب عنف المقدس عدداً من الفصول ذات العلاقة المباشرة: خراب أور / النواح على الأماكن / عنف الغرباء والغزاة / الكاهنة انخيدوانا / أنانا والنواميس الالهية / تنوع العنف وخضوع الكائن / بكائيات نذكال الام في اور وهي ترى انهيار كل شيء.
ونلاحظ بأن ما عاشه العراق القديم من تمظهرات العنف يميل الى التطرف والمبالغة والقبول بالانهيارات الكاملة للمدن العظيمة مثل أور وأوروك.
يمثل الاله أنليل القوة الغاشمة، المهيمنة بعناصر معروفة خاصة بالدمار والخراب، وهذه العناصر هي الوسيلة الأكبر والأكثر حضوراً في شخصية الإله، وفي أحيان تمنح عناصر قوته الإلهية لمن يريد له أن يكون باطشاً ومدمراً، مثلما اتضح لنا في نواميس أنانا، ومعروف بأن عناصر هذا الإله عنفية وتدميرية والغاية منها معروفة كما في التفاصيل العقابية في طوفان ملحمة جلجامش وخرائب المدن السومرية حتى مدينة نفر ومعبده فيها.
كتاب « عنف المقدس « بحث رصين ومهم يحتاج حواراً وتغذية لتقديم قراءات عن الاستعمالات في الماضي لتقديم ما يساعد الدارسين والباحثين لإعادة قراءة ما يحصل منذ احتلال العراق وحتى هذه اللحظة.