لطفية الدليمي
كتبت المعارضة والناشطة من أجل البيئة والمناخ الشابة السويدية (غريتا ثونبرغ) - التي بلغت الثامنة عشرة قبل أيام - تغريدة على تويتر حمّلت فيها شركات صناعة الأزياء مسؤولية كبرى في تلوث البيئة وتردي الوضع المناخي ؛
فبسبب تسارع تغيير الموضة في كل موسم تتضاعف حركة التصنيع وتلوث البيئة بالنتيجة، واتهمت غريتا الشركات بالتحايل وتضليل الناس عندما تعلن عن تصنيع مواد مستدامة مراعاة للبيئة ؛ ولكن كما يحصل دائماً ثبت أنها معلومات مضللة تقدمها الشركات الصناعية الكبرى عبر استراتيجية ( Greenwash) للاعلان والتسويق التي تعلن فيها عن معلومات وأدلة بيئية لتحسين صورتها وتَحَمّلِها مسؤولية الحفاظ على البيئة، وقالت الناشطة الشابة وهي تشير إلى قميصها القطني البسيط في حوار مع إحدى المجلات أنها اشترت آخر مرة قطعة ملابس منذ ثلاث سنوات وكانت (مستعملة)، وأنها تستعير أشياء من معارفها الموثوقين لتثبت للشباب سفاهة الانصياع لشهوة الاستهلاك المدمرة ! فَمَنْ يؤمن بقضية يبدأ بتطبيق شروطها على نفسه وأسرته أولاً ليكون أنموذجاً نزيهاً للمعارضة والرفض؛ بينما نجدُ في مجتمعاتنا تواطؤ البعض مع سلطة يدّعي معارضتها في المظاهرات ثم يسيل لعابه لمغرياتها المادية فيلتحق بها ليحقق منافع آنية له ويتسبب بالاساءة لفكرة المعارضة ذاتها.
وبناءً على تصنيفات الأمم المتحدة عن التلوث البيئي أعتُبِرَتْ صناعة الأزياء ثاني أكثر الصناعات تلويثاً للبيئة، وأنها تستهلك 93 مليار متر مكعب من المياه وهو مايكفي خمسة ملايين إنسان للبقاء على قيد الحياة في أزمة المياه الراهنة، إضافة إلى أنها تتسبب بانبعاث 8% من غازات الكربون وهي أكبر من نسبة تلويث الرحلات الجوية.
بدأت غريتا نشاطها المعارض لغياب العدالة والنزاهة في السياسة الدولية حول مشكلة المناخ التي تهدد كوكب الارض ؛ فكانت تترك المدرسة لتعتصم كل يوم جمعة أمام برلمان بلادها، وعندما عرضت فكرة الاعتصام على والديها لم يسانداها بل قالا: نحن لن نعترض عليك وأنت حرة باتخاذ مواقفك لكننا لن نعتصم معك.
ألهمَ احتجاجها الفردي خارج البرلمان السويدي في عام 2018 ملايين الشباب للانضمام إلى حملة الإضراب المدرسي أيام الجمعة من أجل مناخ الأرض، وعندما انضمّت إلى حركة الشباب البيئية لمقاطعة شركات الطيران توقف والداها عن السفر بالطائرة تضامناً مع الحركة برغم حاجتهما المستمرة للسفر؛ فوالدتها مغنية أوبرا ووالدها ممثل سينمائي، وصارا يتنقلان بواسطة السيارات والقطارات، وعندما دعت الأمم المتحدة غريتا لحضور قمة المناخ في نيويورك أمضت أسبوعين في المحيط الأطلسي على يخت سباق بسيط يفتقر إلى أدنى مستلزمات الراحة لتشجع جيلها على التطبيق الفعلي للمعارضة، وحمّلت في خطابها أمام قمة المناخ قادة الدول المسؤوليةَ عن دمار كوكبنا متّهمة إياهم بخيانة جيلها والأجيال القادمة بفشلهم ومراوغتهم في معالجة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
سمعت غريتا عن التهديد المناخي الخطير وهي في العاشرة فاكتأبت ولزمت الصمت وعزفت عن الطعام حزناً على مستقبل العالم، وتم تشخيص حالتها بمتلازمة أسبرغر وهي أحد أطياف التوحد التي تسبب الخرس الطوعي. في محاضرتها عبر TEDX قالت أنها “ تتحدث فقط عندما تعتقد أن الكلام ضروري، وهي تواجه اليوم إحدى اللحظات التي عليها أن لاتصمت بعدها “، ولأنها لم تصمت وواجهت قادة العالم بمسؤوليتهم وفشلهم منحتها منظمة (حق الحياة الكريمة) جائزتها الدولية وهي مخصصة لتكريم الأشخاص الذين يقدمون إجابات عملية ونموذجية لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً أمام البشرية كما نالت جوائز أخرى لمواقفها.
ألا تمثل غريتا ثونبرغ برغم حداثة سنها أنموذجاً يُقتدى لنزاهة المعارضة الحقيقية التي لاتهادن؟
كم هو نبيل درس غريتا التي تبرّعت بأموال الجوائز التي نالتها إلى منظمات تعمل لمناخ يضمن البقاء للأجيال القادمة.