TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > جبران .. الحاضر دوما

جبران .. الحاضر دوما

نشر في: 4 يونيو, 2010: 04:14 م

كوليت مرشليان(…) وصرخ قائلاً: “إن هذا الرجل مجنون أيها الناس!” وما رفعت نظري لأراه حتى قبّلت الشمس وجهي العاري، فالتهبت نفسي بمحبة الشمس، ولم أعد بحاجة إلى براقعي. وكأنما أنا في غيبوبة صرخت قائلاً: “مباركون مباركون هؤلاء اللصوص الذين سرقوا براقعي!…
كلمات من جبران خليل جبران قد تشكّل أفضل البدايات للكتابة عن هذا الأديب اللبناني والعالمي الذي تبقى أعماله وبشكل خاص كتابه النبي خارج التصنيفات الأدبية لما تضمّنته من شعر وفلسفة وروحانيات وماورائيات واجتماع وسياسة وفانتازيا حلمية قريبة من الرؤيا وحب وطبيعة وموت وحياة وتمرّد وثورة وما وراء الحياة. كل هذا نستعيده ونعيشه من جديد في كل مرة نستذكر فيها جبران خليل جبران، الذي يبدو اليوم وفي كل ما تستعيده فيه المؤسسات الأدبية والفكرية في العالم، في ذكرى 125 عامًا على ولادته، حاضرًا ومتجاوبًا وفاعلاً مع واقعنا في كل ما كتبه.جبران الشاعري والثائر والمجنون، جبران في روحانياته التي استقت من كل الأديان السماوية، فرفضت هنا وتجرأت هناك، وبنت صرحًا أو عالمًا خاصًا به جمع فيه كل من أحب وكل من أثّر به، حتى يخال للقارئ لأعماله أن كل من عرف جبران أو كل من أحبه أو عايشه وتلمّس مناخاته قد مسّته الآلهة وصار في منزلة مترفعة هي بين الأرض والسماء، أو بين الواقع والمتخيّل، أو في تلك الحديقة-الجنّة الفسيحة والعطرة التي بناها جبران على الأرض، وأثارت جدلاً فلسفيًا ودينيًا. وهذا يعود إلى قدرة هذا العبقري على الدمج الملتبس والغامض الذي أحدثه بين الواقع والدين، أو بين مناخات “سماوية” جعلها في كتاباته تسطع على الأرض في رغبة هائلة لديه لرؤية الإنسان على صورة الله. وقد تكون هذه هي النقطة الأساسية في كل كتابات جبران، تلك التجربة الإنسانية والكتابية المتفوقة لديه في خلق عالم روحاني على الأرض، وهو قطع قرنًا كاملاً على هذه الكتابات من دون أن تخسر هذه الأخيرة الرهان، أو لربما هو أكثر من رهان، هو حقيقة لمسها جبران وحاول أن يجعلنا نلمسها بدورنا.ليس من قارئ لجبران خليل جبران في سنين مراهقته وبعدها في استعادات دائمة لأعماله إلاّ وتعلّق بأعمال الرجل، وبالبعد الروحاني والشعري الهائل لمؤلفاته التي تعطي إجابات على كل الأسئلة، من دون أن يعرف القارئ أن يحدد جوابًا منها. بل إن مجموع أعماله صرخة واحدة في وجه الإنسانية، صرخة هائلة، مدوية وأحيانًا هامسة وخافتة، تقول ولا تقول، تضع الإصبع على الجرح، تفتح أبوابًا موصدة، تحاكي المجهول والخفي والغامض، تسرح في الحقول الشاسعة، تقطع الدروب الوعرة وتمضي وتمضي معه نحو أفق لامتناهي. وكأن جبران، في كل ما كتبه، حاول أن يشرح للقارئ كل أحاسيسه وأفكاره حيال الكون والحياة والخالق، كذلك كل مشاعره القوية تجاه الإنسان على الأرض. فكل إنسان أو كل شخصية كتب عنها جبران أو وصفها، قد أضفى عليها مسحة ربانية، وصاروا كلهم معه في “حديقة النبي” تلك التي تقع على تخوم أرض الواقع.غابات الأرزوإذا كانت الأرض التي ولد فيها جبران، وبالتحديد بلدته بشري الشمالية القريبة من غابات الأرز في لبنان، قد جعلت الفتى الصغير يتعلق بجماليات طبيعتها، فهي أيضًا علمته الثورة والعصيان والتوق إلى الحرية في خضم الأحداث التي شهدتها في الحقبة الزمنية التي ولد فيها جبران تمامًا، كالتي عاشها الوطن في كل جهاته من فقر وحروب وصراعات داخلية واحتلالات نمّت لديه روح التمرّد وحب التغيير.ولد جبران خليل جبران في السادس من كانون الثاني من العام 1883 في بشري، وشهدت المنطقة في تلك الحقبة من الحكم العثماني صعوبات معيشية، وكان أصعبها على عائلة جبران، المؤلفة من أربعة أولاد، حين أدخل الوالد إلى السجن لجرم سرقة لم يرتكبه. لكن ذلك لم يجعل الوالدة كاملة رحمة تغيّر رأيها في أن ابنها الفتي جبران “عبقري” أو “ليس كسائر الأولاد”. وهذا الإصرار لدى والدته لم ينبع من أوهام بل من تفاصيل وإنجازات إبداعية كان يقوم بها الولد جبران المحاصر بالفقر والسابح في عالم آخر داخل رأسه وقلبه. وهذا التعلّق العاطفي أو التواطؤ الجميل ما بين جبران الصغير وأمه كان أجمل البدايات لعواطف الرجل الذي آمنت به تلك المرأة الذكية، وهي أصرّت على فتح الأبواب أمامه، حتى أن قرار الهجرة إلى أميركا كان لسببين، ثانيهما تأمين لقمة العيش للعائلة، وأولهما أن يكمل جبران تعليمه. وما بين لبنان وبوسطن وباريس ونيويورك بدأ جبران الكتابة، ولكن كان هناك دومًا ظل المرأة وراءه، وسرعان ما تغيّرت المرأة من دون أن يتغير وقعها عليه، من والدته انتقلت شرارة الحب والرعاية إلى ماري هاسكل. وحين تزوّجت الأخيرة، اكتفى برسائل الأديبة الصديقة مي زيادة التي لم يلتقها في حياته لكنها ساندته من البعيد، وأيضًا كانت هناك صديقته بربارا يونغ وأخته مريانا وغيرها من النساء اللواتي خلدهن في رسوم حاول من خلالها، وعلى ملامحهن، أن يرسم وجه الإنسانية.سبر الأغواروفي ذكرى جبران لا يسعنا إعادة الحديث والكتابة عن حياته وظروفها، أو عن مؤلفاته وتأويلاتها المتداولة منذ قرن، لكن ثمة ما تبدّل في نظرة العالم إليه، وهي خطوة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram