ناجح المعموري تحدث الأستاذ جورج ميخائيل ديب في مقدمة كتابه بوصايا شخصية لم تكن مماثلة للوصايا والحكم التي عرفتها حضارات الشرق ودياناته التاريخية ، بل كانت وصايا منطوية على توصلات حياتية وخبرة في مجال العلاقات / والفكر / والفلسفة / والأدب .
وتميزت مفاصل مقدمته بالتنوع ، ولكنها لم تفترق عن بعضها بما تمثلت به من قيم ودعوات علمانية في مواجهة قضايا الإنسان المعاصر وعلاقة الأدب والفلسفة بقضايا الإنسان وقد توصل الأستاذ ديب إلى هشاشة العلاقة القائمة بين الأدب والفلسفة وتأثيرات الأدب السلبية على ممكنات تطور المجتمعات كما عبر عن حماسته ورغبته في تأليف كتاب حول علاقات الأدب بالعلم والدين عبر التاريخ ، لأنه يؤمن بان الأدب شارك العلم والدين النشأة المشتركة : هزيود وهوميروس وشعراء الملاحم البابلية عن الكون.ويلاحظ شيوع الخطأ الخاص بتاريخية التحققات الحضارية وخصوصا في مجال الأدب وهذا ما اتضح جليا في كلام الأستاذ ديب حول اشتراك نشأة الأدب والعلم والدين ، واعتمد على شاهدين هما هزيود وهوميروس وأضاف عليهما السبق التاريخي ، بينما كانا متأخرين كثيرا عن الذي كتب ملحمة جلجامش قبل ما أنجزها بألف عام . كما أجد ان تراتبية العلم في القائمة بين الأدب والعلم والدين ليست دقيقة تماما ولم تعرف الحضارات الشرقية هذه الحقول هكذا و دفعة واحدة ، ولا بد من إعادة ترتيبها من جديد ومثلما كان قائما في الحضارات وتاريخها وسأستعين برأي كاسيرر عن الجماليات في التاريخ، حيث اشار إلى وجود حاضنة تأريخية أولى هي التي احتوت اللغة والفن والدين ، وكان صعبا الفرز بين المعطيات الثلاثة أو العزل بينها لغاية عصور طويلة تبدّت عن فعاليات إنسانية جديدة عمقت المعطيات القديمة ورسمت لها ملامح وظيفية أكثر وضوحا لحظتها تبدّت عن وجود عناصر مشتركة لدى كل منها مع أخرى خاصة ومميزة للغة والفن والدين ، وفي هذا التكوين الجديد ومن خلاله تمكن تحديد الأطر الخاصة لكل منها وأيضا توصيف خصائصها لأنها ــ اللغة والفن والدين ــ تحولت تماما إلى مراكز خاصة ، وذات خصائص . من هنا ورداً على الأستاذ جورج ميخائيل ديب كان الدين أول التشكلات في كل حضارات العالم ، مبتدئاً بالسحر ونظامه المعروف وهذا رأي اتفقت عليه اغلب المدارس الانثربولوجية ومدارس التحليل النفسي وعلم الاجتماع وكان الأدب مكونا مشتركا مع الأسطورة وبعد ذلك كان العلم يتسلل بطيئا وحذرا بعد اكتمال معرفة الإنسان بالزراعة وتصنيع ما كان ضروريا . وفي تحديدات هيغل المعروفة كان السحر أولى المراحل الحضارية وبعده الأسطورة والدين والعلم.وقدم توصيفا لشخصية جبران خليل جبران الفكرية حيث قال انه تعرف إلى علوم العصر الفلكية والبيولوجية ولكن بصيغة عمومية غير مستقصية ، وأدرك في الفلسفة ــ ولا سيما في نيتشة ــ انعكاس الطروحات العلمية على المفاهيم النظرية ، لكن رغم ذلك كله ، فان بنية أفكاره كانت دينية غنوصية ، مع شعرية رومانسية ، مالت إلى الالتزام في الطروحات الغنوصية والى محاولة التوفيق بين بعض العلوم الروحانية. لقد تمسك بالماضي وأراد إن يكون مستشرفاً للمستقبل، لكن ــ وهذا هو المهم ــ بطريقة أخرجت المعارف العلمية عن طبيعتها ،وبث في كتاباته سواء عبرترادف هذه الكتابات أو حتى في الكتاب الواحد بعينه ــ قدرا كبيرا من التشويش والتناقض ــ لقد استحال التوفيق إلى تلفيق ، وهذا التلفيق اعتمد التأويل الذي اخرج النصوص والمعارف ، سواء أكانت دينية أم فلسفية أم علمية عن مقاصدها وطبيعتها الأصلية . . . ص17وهذا الرأي من أكثر الآراء وضوحا حول جبران وتوجهاته ، مثلما هو قاس وعنيف ، وصريح أيضا . وتوصل إلى خلاصة دراسته لمنجزات جبران كلها ، إلا انه ــ جبران ــ تلفيقي ، ويمارس التحايل عندما يقرأ النصوص وبطريقة ساذجة هي التي كانت سالكة آنذاك ومن خلال غنوصيّة صبيانية وباتت أفكاره لا هي مادية صرفاً ولا روحانية تقليدية . وأشار ديب أيضا إلى اضطرارت جبران إلى المداورة البلاغية والخداع الأسلوبي استغل التشابه لدعم وجهة نظره . (هذا الخداع الاستغلالي / السفسطائي يشكل جزءاً مهما من توصلاتي ، ليتضح أخيرا كيف يعتمد التشكيل الفكري الملفق على مداورة كتابية معسولة الألفاظ ومغتصبة التشابيه) . . .ص17تضمن الكتاب ــ وهو في الأصل رسالة ماجستير ــ قسمين ، في الاول ثلاثة فصول وفي الثاني ثمانية فصول .ولا بد من الإشارة إلى إن هذه الدراسة حازت أكثر من صفة . وأهمها القراءة الدقيقة لكل ما أصدره جبران وموضوعيتها ، مثلما اتصفت بالشجاعة في ملامسة الأعماق المغيبة في آراء جبران خليل جبران الغنوصية المغلفة برومانسيته التي استفادت من غنائية شعرية ، غنوصيته الكاشفة عن عدوانيته للمعرفة الفعلية والعلم الطبيعي وإجازات الحضارة ويتهمه الباحث بالتماهي تماما مع اشعيا وارميا وهما أسوأ ما عرفته الديانة اليهودية حيث تميزت إسفارهما بالندب والمراثي والشكوى والإحساس بالخيبة وعودة اليهودية من توحيدها نحو الوثنية وعاودت الإلهة الكنعانية مراكزها المهمة في الديانة اليهودية وعاودت الطقوس والعقائد حركتها .كما إن إشارة الباحث الموحدة بين جبران وارميا واشعيا تعبر ضمنا عن التعالي والا
موت النبي الزائف لجبران خليل جبران
نشر في: 4 يونيو, 2010: 04:24 م