علاء المفرجي
رواية الحرب والسلم للكاتب الروسي ليو تولستوي، نشرت أول مرة من سنة 1865 إلى سنة 1869 في مجلة المراسل الروسي ، تروي أحداث المجتمع الروسي خلال حملة نابليون على روسيا.
خلق تولستوي فيها شخصيات عديدة، رئيسية وثانوية، تاريخية وأخرى خيالية، ابتدعها تولستوي نفسه. وتعطي صورة واضحة لحياة الترف التي عاشتها طبقة النبلاء في روسيا في عهد الحكم القيصري. وهناك من يعتقد بان الشخصيات الرئيسية كبيير بزوكوب والأمير أندري تمثل أوجه مختلفة في شخصية تولستوي نفسه.
وتوصف مع رواية أنا كارينينا تحفتي تولستوي الكبيرتين بأنهما من أعظم الروايات العالمية. فالحرب والسلم قدمت نوعا جديدا من القصص الخيالي، ذا عدد كبير من الشخوص وقعوا في حبكة روائية، غطت مواضيع عظيمة أشير إليها في عنوان الرواية، مجموعة بعدد مماثل في الكبر من المواضيع، عن الشباب، الزواج، السن والموت. ورغم أنها غالبا ما يطلق عليها “رواية ” اليوم، فإنها كسرت العديد من تقاليد الشكل في الكتابة، مما جعلها لا تعتبر رواية في وقتها. و بالفعل، فإن تولستوي نفسه اعتبر “أنا كارينينا” 1878 هي محاولته الروائية الأولى بالمعنى الأوروبي.
تروي الرواية قصة خمس أسر أرسطوقراطية – آل بزوخوف, آل بولكونسكي, آل روستوف, آل كوراجين وآل دروبيتسكوي – وورطات حيواتهم الشخصية مع التاريخ بين 1805 – 1813، وبشكل رئيسي غزو نابليون لروسيا سنة 1812. ومع استمرار الأحداث، فإن تولستوي وبشكل منتظم، يحرم شخوصه أية حرية اختيار ذات قيمة، ودور التاريخ المندفع إلى أمام يحدد السعادة والمأساة على السواء.
لم تقترب السينما من هذه الرواية قبل ستين عاما من اختراعها، بسبب كثرة محاورها وتشابك أحداثها، فضلا عن كثرة الشخصيات التي تجسدها الرواية ففي عام 1956 انتج فيلم درامي أمريكي-إيطالي عن الرواية حمل العنوان نفسه من إخراج كينج فيدور ومن تأليف كل من: فيدور، بريدجيت بولاند، ماريو كاميريني، إنيو دي كونتشيني، وأخرين، شارك فيه المع نجون هوليوود في تلك الفترة
و هم: أودري هيبورن، هنري فوندا و ميل فيرير، بالإضافة إلى فيتوريو غاسمان، هيربرت لوم، جون ميلز و أنيتا ايكبرج. رُشح مخرج الفيلم فيكتور كينج لجائزة الأوسكار لأفضل مخرج.
لكن السينما الروسية على الرغم من خبرتها في انتاج الافلام الملحمية تاخرت كثيرا في أفلمة هذه الرواية حتى عام 1966-1967 حرب فيلم الدراما شارك في كتابة وإخراج سيرجي بوندارتشوك وصدر على أربع دفعات خلال عامي 1966 و 1967 ، قام ببطولة بوندارتشوك نفسه في دور البطولة بيير بيزوخوف، جنبا إلى جنب فياتشيسلاف تيخونوف و لودميلا سافيليفا و ناتاشا روستوفا. والفيلم من إنتاج موسفيلم استوديوهات بين عامي 1961 و 1967 ، وحظي الفيلم بدعم كبير من السلطات السوفيتية والجيش الأحمر الذي قدم مئات الخيول وأكثر من عشرة آلاف جندي كإضافات. بتكلفة 8.29 مليون روبل سوفيتي - تساوي 9.21 مليون دولار أمريكي بأسعار 1967 ، أو 50-60 مليون دولار في عام 2017 ، وهو ما يمثل تضخم الروبل - كان أغلى فيلم صنع في الاتحاد السوفيتي. عند صدوره ، حقق نجاحًا مع الجماهير ، حيث باع ما يقرب من 135 مليون تذكرة في الاتحاد السوفيتي. تلقى ملاحظات إيجابية بشكل عام من النقاد. الحرب و السلام كما فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي الدولي، ال جائزة جولدن جلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبية و ال جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية.
مازالت السينما حول العالم حتى الان وكل ما حملته من تطورات كبيرة في الانتاج الا انها عاجزة عن الاقتراب أو المقارنة من الفيلم الروسي «الحرب والسلام»، لا بل إن سرد قصة ذلك الفيلم الذي استغرق إنجازه سبع سنوات (بين 1961-1967) يجعلنا أمام أعجوبة سينمائية، تتخطى الفيلم نفسه الذي يشكل بذاته تحفة فنية لم ولن تتكرر على مر الأزمان.
زخرت الرواية والفيلم السوفيتي كوثيقة فنية وتاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية لروسيا القيصرية في مواجهة اجتياح نابليون لأراضيها، ووصف كل المعارك التي دارت بين جيوش نابليون والجيوش القيصرية والنمساوية والألمانية، حيث يضعنا تولستوي أمام أكثر من 120 شخصية نمضي خلفها على مدى أربعة مجلدات.
خرج الفيلم بنسخته السوفيتية كأطول فيلم في التاريخ، حيث يمتد لأكثر من تسع ساعات، وتم عرضه في أربعة أجزاء، شاهدها في الاتحاد السوفييتي السابق أكثر من 135 مليون مشاهد في عامين، وعرض في أكثر من 117 بلداً حول العالم، وحصل في 1969على أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
وبلغة الارقام بهذا الفيلم، عظمة المنجز ومعجزته، فقد ضم الفيلم 300 شخصية ناطقة ليس بالروسية فحسب، بل بالفرنسية والألمانية أيضاً، و120 ألف عنصر وكومبارس، ووضعت الحكومة السوفييتية كل ما لديها في خدمة الفيلم، وشاركت فرق كاملة من الجيش الأحمر في تنفيذ المعارك، ومعها أعداد هائلة من سكان موسكو الذين تطوعوا للمشاركة في هذا الفيلم، لا بل أعيد بناء وسط موسكو كما كان عليه في 1805 ،وأحرق كاملاً في المشهد الخاص بإقدام نابليون على حرقها.
وكان هذا كافيل ليؤكد أرجحية الفيلم السوفيتي على الفيلم الاميركي، خاصة بعد الجدل الكبير الذي صاحب انتاج الفيلم السوفيتي، حول ايهما الافضل فنيا وانتاجيا.
يقول المترجم المخضرم ضياء نافع:" النقاشات العاصفة بين الطلبة السوفيت عندما تم عرض الفلم السوفيتي في موسكو , وانتبهنا – نحن الطلبة الاجانب – الى طبيعة هذه النقاشات , وكيف طرح السوفيت الموضوع وكأنه مسألة سياسية بحتة , إذ كان التركيز ينطلق من مفهوم المقارنة بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الاميركية وهم يستخدمون تولستوي وروايته ( الحرب والسلم) في ثنايا نقاشهم , لدرجة , أن أحدهم طرح سؤالاً حول ذلك , وهو- لو كان تولستوي حيّاً فماذا كان سيقول ؟ وكانت الإجابات متنوعة جداً , إذ ابتدأت أولاً بالقول , إن تولستوي كان وسيبقى حيّاً في مسيرة الأدب والفكر الروسي , وثانياً , إن الصراع الروسي – الغربي الذي صوّره تولستوي في روايته حول حرب نابليون ضد روسيا يجب أن يتم توظيفه ( اي الصراع) لصالح روسيا وليس ضدها".