اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > غرفة سمير الكاتب

غرفة سمير الكاتب

نشر في: 5 يونيو, 2010: 04:41 م

محمد سعيد الصكار كان الطابق الأول  يحتوي  على سرير لشخصين،  ولكنه لم  يعد كذلك منذ سنين؛ ولم  يبق له من رونق الأيام السالفة شئء  يُذكر،  كان مجرد وعاء  يحتوي  جسده المتعب . لم  يعد الفراش حميماًً،  والواقع أنه لم  يكن كذلك حتى في  أيام الصفاء . والآن صار ركناً  للقراءة بقصد الخدر والنوم الذي  بات  يستعصي  على الحضور.
كتب كثيرة موزّعة على المنضدة وعلى الرفوف وعلى الأرض،  هم ضيوفه في  الشتاء والصيف،  والأحرى،  هو الذي  كان ضيفاً  عليهم. وعلى طول العهد بينه وبين كتبه،  فترت رغبته في  مراجعة الكثير منها،  وأصبح محيط الغرفة الواسعة  يحاصره بالفراغ  والملل؛ ولذلك كانت دعوة سميّة لمشاركتهم جلستهم للعشاء،  إنقاذا له من فراغ  ذلك اليوم،  ومن أيامه عموماً. نزل مسرعاً،  وحيّا الجميع وجلس . لم تجرؤ بطبيعة الحال،  أيّة من الحاضرات على استقدامه إلى حوار؛ كان ذلك لسمية وحدها،  ولكن لم  يُتَح أي  حوار،  بسبب المسافة الثقافية بين الأطراف.rnكان سمير محتقناً  بالأفكار التي  تملأ رأسه،  وكان ذلك مما شوّش عليه قدرة التنسيق والإنتقاء،  وأبقاه نهباً للهواجس والخوف من انفلات الزمن دون تحقيق أي  منها،  فالأفكار تنمو والزمن  يتسلل،  وليس بين  يديه ككاتب،  ما  يوثّق أفكاره ويساعد على نشرها،  ولم  يكن مقتنعاً  بكون حضوره بين الأصدقاء كافياً  لتطلعاته الثقافية،  فهي،  في  نهاية الأمر،  حديث مجالس،  لا تؤسس لموقع ثقافي  كان  يصبو إليه .rnعندما  ينتصف الليل،  وتأحذ الكأس مدارها،  يتعذر استحضار الأفكار التي  تتوهّج في  الرأس وتقتحم الذاكرة؛ فهي  أشبه بالحلم الذي  يأتي  في  أول الليل وتتوالى عليه أحلام أخرى  يصعب عليه تنسيقها والتقاط ما  غام منها . وهذا ما كان  يكابده سمير .rnمن هنا،  كان لقاؤه بسمية،  منقذاً  له من الفراغ،  أو من الضياع كما كان  يتصوّر . كان منفذاً  لاحتضان اللوعة والتوتّر والوجع المكابر،  والخيبة التي  لا  يستطيع تجاوزها. لهذا أسلم قياده بحرية كاملة،  إلى هذه المخلوقة الجميلة التي  منّ  الله بها عليه.بدت له الأحوال تختصر بمسافات قصيرة،  وتتقلص في  حدود أبسط الأمور.rnكان لقاؤهما على فنجان قهوة كافياً  لامتداد المسرّة والصفاء الذي  لا حدود له.ولم  يكن الأمر بعيداً  عن تصورات سمية،  كانت بحاجة إلى فنجان القهوة هذا،  بما  يحمل من دلالات بعيدة الغور في  كينونتها الأنثوية وتشعباتها الإجتماعية،  ولكن مكابرة شرقية متأصلة تقودها إلى مغالطة لم تحاول تجاوزها،  رغم إحساسها الواعي  بخوائها وبُعدها عن الحقيقة.rnلم تكن من القوّة بحيث تكسر هذه القيود؛ كانت رهافتها وثقافتها ورقة طبعها تحضر جميعاً  في  محاكمة هذا الواقع الذي  أبقاها مشدودةً  بطرفي  الخيط،  تنتظر شيئاً  ما،  معجزة ما،  تنتشلها من هذا الضياع الذي  لا  يختلف عن ضياع سمير؛ وبدا أن تواطؤهما على قبول هذه الحالة بصمت ومكابرة  يرفعانهما دائماً  إلى مستويات  يحرصان على أن تبقى متميّزة ومتفرّدة.rnكان استاذه في  اكاديمية الفنون الجميلة لا  يعبأ كثيراً  بالمواضعات التطبيقية التي  كان  يتمسك بها الفنانون الاساتذة،  التزاماً  بشروط العمل وتعويداً  لطلبة الفن على أصول وفروع الانتاج الفني . لم  يكن  يرتدي  الصدرية البيضاء أثناء العمل،  كان  يكفّ  أردان قميصه ويتناول الفرشاة ويروح  يمرح على قماشة اللوحة . لم  يقم وزناً  لنقاط الزيت التي  تتقافز على قميصه النظيف؛ القميص  يستبدل،  اللوحة أثمن وأبقى.rnوهكذا،  درج على خطى استاذه في  كثير من الأمور التطبيقية والفنية . الأساس عنده هو اللوحة وطريق نموّها . لا وقت  يُرصد لها،  ولا خوف من الشطط الذي  يروح ويجيء على المساحة العذراء المفتوحة على قماشته . ضربات سريعة هنا،  خطوط رقيقة هناك،  تغيير في  الألوان،  مسح،  تسييل،  كثافة،  كلها تأتي  وفق الايقاع ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram