كاظم الجماسي في ازمنة الاستقرار النسبي المعاشة بالنسبة للمجتمعات، تتوزع الادوار الوظيفية لكل الشرائح الاجتماعية بنحو عادل نسبيا، فالتاجر تاجر والفلاح فلاح والعامل عامل والموظف موظف والصناعي صناعي..
وهكذا لكل منهم مسمى محدد وله وظيفة محددة تشكل حلقة في سلسلة الدورة الاقتصادية للمجتمع، وكل منهم يؤدي دوره الاقتصادي لتلبية حاجة اجتماعية محددة. ولايقتصر الامر على الجانب الاقتصادي فقط بل يتعداه الى وجود منظومة اجتماعية واخلاقية تحيط تلك الوظائف جميعها، وترسم لها سلوكيات كل مهنة او كل وظيفة منفردة تشترك مع خارطة الوظائف الاخرى في رسم بنية فوقية اخلاقية – حقوقية ترسم حيزا لحدود ممارسة تلك الوظيفة بما لايخل بهارموني السلم الاجتماعي.وبالنسبة لما حصل عندنا نحن العراقيين بعد تراجع واندحار الطابع المدني للحياة اليومية لمختلف الشرائح الاجتماعية وصعود نجم العسكرتاريا كطبقة تحتل اعلى السلم الطبقي مدعومة بأيديولوجيا تتشدق بالعدل والانسانية وتمارس على ارض الواقع اشد انواع العسف والاستبداد ماأنتج وضعا اجتماعيا مختلا بنحو مدمر تغيب فيه ابسط مظاهر التوائم الطبقي السلمي لتحل محلها ايدلوجيا الغنيمة والسلب والنهب بل والقرصنة في وضح النهار مدعومة بمنطق التلفيق والاعلام الحزبي الناشز لكثير من اليافطات التي تفتقر الى البرامج والرؤى الليبرالية المنضبطة والمحددة.وعلى المستوى الاقتصادي سادت العشوائية والفوضى بنحو غير مسبوق، فطفحت الى السطح فئات من الطفيليين الذين ظهروا في غفلة من الزمن ليتصدروا الصف الامامي في الخارطة الاقتصادية للبلد، انصب جل اهتمامهم على التفنن في الحاق ابلغ الاذى بجسد الاقتصاد الوطني بأستيراد نفايات البضائع التجارية المختلفة واغراق السوق بها بمأمن تام من الرقيب الرسمي وبغياب تام من ايما وازع اخلاقي او انساني ولو في حدوده الدنيا، وشكل وجود تلك البضائع منافسا ماحقا للمنتج المحلي الذي اصيب في الصميم فبات مشلولا عاجزا من دون ظهير رسمي داعم، وانحطت الصناعة الوطنية بشقيها العام والخاص، فقطاعها العام لم تزل معظم مرافقه الانتاجية خامدة مشلولة من دون تفعيل او اعادة تأهيل، وقطاعها الخاص يعاني سكرات الموت حقا بغياب اي دعم حكومي كانت تتفضل به الحكومات السابقة عليه، من فرض للضرائب المناسبة على المنتج المستورد، وتوفير للمواد الاولية المدعومة من قبل الدولة، وفتح للابواب الحكومية وغير الحكومية لتسويق المنتج المحلي، وغيرها من ملامح بيئة مشجعة لنمو وازدهار الصناعة الوطنية في كل تواصيفها المختلفة.ومن بعد كل ماذكرنا اخذت تسود في السوق الداخلية العراقية سنن البحار القاضية بان تبتلع الاسماك الكبيرة الاسماك الصغيرة من دون اي وازع من ضمير او مواطنة، وراحت تختفي بنحو مخيف اخلاقيات المهنة التي كانت تشكل ضمانة اخيرة للمتعاطين في السوق العراقية، فضلا عن كونها تقيم الثقة بين طرفي العملية التجارية البائع والمشتري، ولعل امتناع بائع الجملة عن بيع سلعه بالمفرد الى المستهلك مباشرة، من اجل ان يأكل بائع المفرد رزقه ايضا، لعل هذا واحد من ثوابت اخلاقيات المهنة الى وقت قريب، وقد اختفى اوكاد، وهو ليس سوى مثالا واحدة م بين امثلة عدة اخرى. Kjamasi59@yahoo.com
مكاشفة ..سنن البحار
نشر في: 5 يونيو, 2010: 04:50 م