إياد الصالحي
رفع المدرب الهولندي المخضرم ديك أدفوكات منسوب التفاؤل لدى العراقيين والعرب بتمكّنه من تنشيط روحية اللاعب العراقي التي أصابها اليأس جرّاء تعدّد مدربين عدة تولّوا مهام قيادته ولم يدركوا علّته، وظلّ هاوياً من دون أي تطوّر، فكان ملعب سيئول في العاصمة الكورية الجنوبية المحطّة الأبرز في الانتقال الى الاحترافية بكل ما تعنيه من ثقافة اللعب والسلوك الملتزم والتهيئة النفسية لمواجهة المنافس مثلما أنتزع الأسود نقطة غالية منه لمواصلة المشوار بثقة أكبر.
ملامح التغيير الفني للمنتخب سبقتها انفعالات واضحة للمدرب ديك عبّرَ فيها عن عدم رضاه لإهمال بعض اللاعبين واجب المراقبة الذي يُعد من أهم عوامل توازن منتخبنا طوال الشوطين، منعَ الهجوم الكوري من تنفيذ تهديداته أمام مرمى فهد طالب، وبعدها استرخى وأخذ يوجّه نصائحه للاعبين بهدوء مع ثقة كبيرة بدت على وجهه بأن المباراة تسير وفقاً لما خطط له.
باستثناء فرصة جاي سونغ لي الذي أطاح بكرته فوق العارضة ولم يفصله عن خط المرمى سوى متراً واحداً، مارس المنتخب الكوري الجنوبي ضغطاً عادياً متنقلاً من جهة الى أخرى من دون تركيز، وهو من قتل الوقت بحركات استعراضية أمام المدافعين لم تجد نفعاً، وبالمقابل استلهم الأسود العزم من الرسالة الذكية لمدربهم أثناء المؤتمر الصحفي عشية القمة الآسيوية بقوله (ستكون المباراة صعبة على كوريا) وكان لهذه الكلمات الأثر الفاعل في ارباك واستفزاز المنافس وحصر تفكيره بالنتيجة أكثر من الأداء!
إن المتغيّر الرباعي بتكليف فهد طالب وشيركو كريم وأمير العماري وأيمن حسين واجبات صعبة سلّطت الأضواء عليهم بقوة، وأفلحوا في تأكيد جاهزيتهم لها، هو مَن عزّزَ حيوية المنتخب وحيّر المدرب الكوري البرتغالي باولو بينتو في إيجاد الطريقة الناجعة لافشال دور الرباعي، فالحارس الهادئ فهد لم يجد خطورة كبيرة على مرماه، لكنه سار على نهج مدربه أحمد جاسم بمنح المدافعين الثقة في تعزيز جدارٍ مُحكّم أمام المرمى يعجز المنافس عن اختراقه، والحق يقال أن العماري لم يجد المساندة الكبيرة في الشوط الأول وبقي يؤدّي واجبه حسب أمكاناته الجيّدة، وتغيّر الحال معه في الشوط الثاني بانسجام اللاعبين معه، أما شيركو فنسي واجبه الدفاعي أكثر من مرة وراح يحتفظ بالكرة ويراوغ ويتأخّر في الرجوع للتغطية ويحتاج الى مباريات أخرى ليتكيّف مع مركزه الجديد، وبالنسبة لأيمن حسين فلن ينجح بمفرده وسط حصار المدافعين، فتم الرهان عليه لحسم الفرص وليس الاستسلام للرقابة وتسهيل مهمة زميل آخر يؤدي دوره بالإنابة!
مباراة سيئول، كانت جولة أختبارية أكثر ما هي رسمية في نظر المدرب الهولندي، وإن جاءت في مستهل الرحلة الطويلة صوب ملاعب الدوحة المونديالية، وكشفت صورة الحديث الودي بينه وبين وزير الشباب والرياضة عدنان درجال في صالة مطار بغداد الدولي نجاح الخطوة الأولى بين مسؤول عن تسمية المدرب في وقت حرج وبين مغامر بسمعته بحثاً عن انجاز عالمي مع الأسود، وهو ما يتحدّث به عامة الناس التي ترى في استمرار الانسجام مع المدرب وتلبية كل متطلّباته من دون تدخّل فنّي مزعج من أي طرف سيفضي الى نتائج مفرحة ومُطمْئِنة للعبور الى ثاني مونديال في تاريخ الكرة العراقية.
التعادل مع كوريا الجنوبية مكسب يوسّع من دائرة طموحات الأسود، لكن لا يستدعي المبالغة والتهويل من بعض وسائل الإعلام والمواقع، للعبة سُمعتها بين المنتخبات ومهما كان تأثير النقطة في حصاد منتخبات المجموعة الأولى لا تعني أنها معجزة، ومن استمع الى ردّة فعل بعض نجوم كوريا الجنوبية مثل هيونغ مين سون الذي تأسّف لاضاعة الوقت من لاعبي منتخبنا حسب قوله، يُدلل على حرص هذا اللاعب بتحقيق الفوز أكثر من التعادل، وكنا بحاجة الى رد بالمثل من أحد نجوم المنتخب ليقول له "لو امتلكنا مهاجماً ثانياً لذهبنا الى الدوحة بسلاح النقاط الثلاث"!
مواجهة إيران بعد غد الثلاثاء تعني الكثير للأسود بعدما اضاعوا صدارة مستحقة في المنامة، كما لم تعد أدوات ضيف الدوحة قوية وتصلح لضمان الفوز في أية مباراة خاصة أن أسلوب لعبه ليس غريباً على لاعبينا، وحان الوقت ليردّوا الدين له ويغلقوا باب القمة على أنفسهم من دون مزاحمة أحد .. ومهما بلغت شدّة القرع!