علي حسين
عندما سُئل المستشار الألماني هلموت كول عن الصورة التي يتمنى أن يتذكره الناس بها قال: "مواطن ألماني"، قبل أربعة أعوام رحل عن دنيانا الرجل الذي قال لشعبه، وهو يشاهد جدار برلين يتهدم قطعة قطعة: "أعيدوا قراءة التاريخ بهدوء، القضية الكبرى ليست ما فعله الجدار بنا، المسألة الكبرى هي ما سنفعله بعد إزالة الجدار".
ربما سيقول البعض، ما لنا ومال ألمانيا وجدارها ومستشارها الراحل، ومستشارتها التي ستتقاعد ونحن نخوض هذه الأيام معركة الانتخابات التي يرفع فيها الجميع شعار المدنية ومحاربة الفساد الذي لكتشفنا انه يأتينا من الفضاء الخارجي ، وأقول إن ما تعلّمته في الصحافة والكتب، يؤكد أن الاهتمام بالأحداث الآنيّة لا يمنعنا من تسليط الضوء على ما يعيق التقدم نحو المستقبل، المشكلة اليوم أن هناك شيئين في العراق، لايمكن السيطرة عليهما، بعض "لطفاء" الفضائيات، والثاني تقلبات الساسة التي جعلتهم مرة يجلسون ويتسامرون مع السفير الأمريكي، ومرة يطالبون بطرد كل أمريكي من العراق ، بالتأكيد لا أحد كيف ؟ .
عندما توحدت ألمانيا من جديد، قبل نحو ربع قرن، كان الثمن تريليون دولار دفعتها بون، المدينة التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وقد اقتضى نهوض الألمان من ركام الموت والخراب وجود رجل دولة يدرك مسؤوليته تجاه شعبه، فوقع الاختيار على "كول" الذي سمي فيما بعد "مهندس ألمانيا الجديدة" لأنه استطاع وخلال سنوات قليلة أن يجعل من هذه البلاد، واحدة من أقوى اقتصاديات العالم.
وصف كثير من المؤرخين كول بالثعلب والداهية، فهو يستغل الحنكة التي تعلمها من والده محصل الضرائب للوصول إلى أهدافه، وحين قال له ميتران يوماً إن ألمانيا ستعود دولة عظيمة مرة أخرى، ابتسم وهو يرد: "لانريد دولة عظيمة، لأن ألمانيا العادية ستصبح يوماً أهم دولة في أوروبا. ومن دون صرخات هتلر، ففي السلم فقط يمكن لنا أن نبني بلداً مزدهراً" .
على أية حال، مثلما أنا استذكر الألماني هلموت كول، فأنا أيضاً معجب بنباهة القائمين على أحزابنا، فأجمل ما فيهم أن أعضاءهم ينشطون هذه الأيام لقطع الطريق أمام أية فرصة للسير في طريق المستقبل، ونراهم منهمكين بكل قواهم في إعادة تصحيح المسار الديمقراطي لهذه البلاد، بالدعاء ليلة القدر على كل من يتمنى أن يحمل ساستنا صفة "عراقي جداً".
أرجو أن لا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد ميركل وبلاد أصحاب الفخامة، لكنني أحاول القول دوماً، إنه لا شيء يحمي الشعوب من آفة الخراب سوى مسؤولين يعرفون معنى التواضع وينظرون إلى العراقي باعتباره شريكاً لهم في الوطن، وليس مجرد نزيل لا يحق له حتى الصراخ .
جميع التعليقات 1
سمراء
(وليس مجرد نزيل لا يحق له حتى الصراخ) . في ظل الوجوه العميلة والمدعية والمنافقة سنظل مجرد نزلاء بل أقل من نزلاء