طالب عبد العزيز
تسألني إحدى الصديقات على صفحتي بالفيسبوك، لماذا تخشى النساء من التعليق على بعض المواد التي تنشرها، والتي تقترب الى حدٍّ ما من عالم المراة السريّ؟ فافاجأ. ترى متى تحدثتُ عن عالمها السريّ؟ وهل في ما أكتبه من شعر ومقالات من تخط للخطوط الحمر المرسومة لها؟
كما انها أثارت جملة اسئلة أخرى، منها كيف يفهمُ مجتمعُنا الحرية؟ -حرية المرأة بخاصة- وهل تُسهم المرأة نفسها، في تقيّيد حريتها؟ وكيف يمكننا الحدُّ من القيود هذه؟ في ظلِّ التحولات التي تعصف بالعالم من حولنا، والتي قدّمت المراة بوصفها الشريك الكامل، في صنع القرار العام للدولة والمجتمع.
سأترك الاجابة عن اسئلتي الثلاثة الى ذوي الشأن في الحقوق والحريات، الذين لست أنا منهم بشيئ، وأتحدث عن الحضور الانثوي في المجتمع بوصفه جمالاً، ومثالاً لكِّل خير، وانسنةً لكل ما هو متوحشٍ وذكوريٍّ فينا، ففي نظرة سريعة الى أيِّ تجمع شبابي، يخلو من المرأة يكونُ الصخبُ، وفرضُ الرأي، والبذاءةُ في اللفظ أحياناً سمةً طاغيةً، فيما الهدوء والمشاركة وانتقاء اللفظ الجميل سمةً لكل تجمع شبابي تشترك المرأة فيه، ولعل ذلك يكون جلياً في مجتمع الطلاب،بالجامعة وبين أصحاب المهن، كالطب والتعليم والفن والثقافة بعامة. إذن، وجود المرأة هو وجود المعاني الكلية للعقل والطف والجمال والخلق الرفيع.
وفي العودة الى ما نكتبه من شعر ومقالات نرانا ما زلنا على خشيتنا، التي يشترك الجميعُ فيها معنا، في التأمل والتناول والطرح، وكل ما نكتبه خاضع لرغبتنا في التزود من عالمها الجميل، هذا المخمل، الذي لولاه لكانت حياتنا يَبَسا، ولجفّت أحبار وأقلام وازاميل، فهي دليلنا الى الحياة التي ننشدها، نكتب لها ذلك لأننا على يقين بانها تقرأ كل ما نكتب، وإنْ بصمت، وهي تنصت عميقاً الى ندائنا المخلص والأمين، وأنْ غير قادرة على التصريح، وهي التبادلية (الكتابة المصرّح بها والقراءة بالصمت) لا تفسد العلاقة بيننا، ولا بدَّ من إدامة الحوار، ففيه قيامة غدنا، الذي نتطلع له معاً.
في الثورة التي أطلقها بكتبه الشاعر نزار قباني، في ستينات وسبعينات القرن الماضي شنعت الاسرُ على بناتها قراءة قصائده، ولطالما سمعنا عن ذلك القصص والحكايات، لكنها، وبقوة تقع خارج الارادات، تسربت مثل الماء الى حقائبهن، وخلدت طويلاً تحت وسائدهن، وصرّن يتهادينها مثل المشام، بما جعل حياتهن ورديةً، وصرنا نقرأ في عيونهن كلَّ (طفولة لنهد)، وكل (قالت لي السمراء) وكل (رسم بالكلمات) ويمكننا القول بأنَّ قصائد نزار قباني ومجلة طبيبك والسينما المصرية وعبد الحليم حافظ ووو هي التي جعلت من عقدي الستينات والسبعينات عقدين ذهبيين، ما زلنا نستحضرهما ونحنُّ اليهما بوصفهما فردوساً عربياً.
على وفق ذلك، يمكننا القول بأنَّ قراءة قصيدة أو مقالة مهما بالغ كاتبُها بالتصريح فيها لن تبلغ بعض ما نطالعه، معاً في المواقع (التكتك والانستغرام) من صور ومقاطع فيديوية، تمتهن الجسد الانثوي، وتدفع به ليصبح سلعة رخيصة. الكتابة مسؤولية، والانثى جديرة بأن تكون شريكاً لنا في ما نكتب، وكل كلمة منصفة منها تمدنا بنسغ مضاعف، معاً، ننشد فيه الغد الجديد.