عمـار سـاطع
سنكون أكثر انصافاً، إذا ما وَصَفنا ما حدث في ملعب خليفة الدولي بالعاصمة القطرية الدوحة، على أنه (مهزلة) حقيقية لمنتخبنا الوطني أمام نظيره الإيراني، عقب الخسارة الثلاثية المُؤلمة والمُحزنة!
واحقاقاً للحق.. فإن لاعبينا، يوم الثلاثاء الماضي، كانو اشباحاً يتحرّكون بلا جدوى وينتشرون من دون فائدة ويجرون مع الكرة من دون هدف، وهم يواجهون منافساً لعب برجولية وخاض مباراة ربما هي الأفضل له منذ سنوات طويلة، وقدّم ما عليه من أداء فوق المتوقّع، على العكس تماماً من فريقنا الذي لعبت خطوطه وكأنها تائهة تماماً لا تعرف كيف تخوض مباريات من هكذا قبيل، أو أنها لا تدرك معنى أهميتها الفعلية، خاصة وأنها تجرى على أرضنا الافتراضية!
قد يكون للهدف الإيراني المُبكّر، سبباً في إرباك حسابات، مدرّبنا الهولندي ديك أدفوكات، مثلما قد يكون الهدف المُباغت السريع، سبباً في انهيار معنويات لاعبينا، وتخبّط وضعهم الفني، غير أن الهدف المُبكّر، في احيانٍ كثيرةٍ، يكون سبباً مهمّاً في الوصول الى التحوّل الفعلي وردّة الفعل المؤثرة التي قد تقلب نتيجة المواجهة، وربّما أيضاً سبباً في التلاعب باعصاب الغريم المتقدّم، خاصة أن الوقت المتبقّي كان كفيلاً بإعادة التوازن وتحقيق التفوّق أيضاً!
ربما يكون أدفوكات قد تناسى أن يحذّر لاعبيه من سيناريو التقدّم المبكّر لإيران، وكيفية التعامل مع هكذا تفوّق إذا ما حدث، لأنه - أي المدرب - ضَمِنَ أن خطّه الدفاعي الذي تماسك أمام كوريا الجنوبية في سيئول، الأسبوع الماضي، سيعرف كيف يتعامل مع مهاجمي إيران، ويجيد كيفية إيقافهم، مستنداً الى اعتبارات عدّة أهمّها، أن الخط الخلفي تجاوز بتركيزه العالي، الثلاثي الكوري الخطير، وحرمه من الوصول بشكل أو بآخر الى مرمى فهد طالب، لكن المعادلة في الدوحة اختلفت تماماً، ومعها ظهر الخلل في دفاعاتنا وسوء التمركز، وكشفت عن ضعف الرقابة السليمة لِجهان بخش وطارمي وازمون، وبالنتيجة حصل ما حصل من (مهزلة) في مباراة ستبقى عالقة سلبيتها في أذهاننا!
وهنا فإننا نعرف تماماً أن مباراة ندّية من هذا القبيل تخرج عن إطارها الفني وتدخل في اعماق الحالة النفسية، خاصة مواجهة الجارين العراقي والإيراني، إذ انها دائما ما تكون فرصة لاثبات الذات وتحقيق الجدارة ويكون فيها عامل الشحن المعنوي والبناء النفسي، المؤثر الأكبر في النتيجة، بيد أن لاعبينا اضاعوا (الخيط والعصفور) كما يقول المثل الشائع.. إذ كانوا عاجزين عن مجاراة الغريم أو مواجهته أو اخطار مرماه طيلة زمن شوطي اللقاء، حتى أنهم فشلوا في فك طلاسم الطريقة الدفاعية التي اعتمدها النمور وأخفقوا تماماً أيضا في الحصول على شفرة العمق الدفاعي المتين الذي أقرّه مدربهم دراجان، وبالنتيجة فإنهم لم يصلوا الى مبتغاهم برغم الزيادة العددية الحاصلة في منطقة الهجوم، قبل ان يستغلها المنافس ويزيد من غلّة أهدافه ويعمّق من جراحاتنا أكثر!
ولعل من بين الأخطاء الفادحة التي وقع بها، ديك أدفوكات، هي اختياره لأسلوب لعب عقيم أمام فريق عنيد، وقبلها قناعته غير المُجدية بتشكيلة أربكت حسابات الجميع، عقب التغييرات غير المبرّرة التي أجراها على التي سبقتها في مباراة كوريا الجنوبية، وهو ما جعل الجميع يتساءل..عن سر اشراك لاعبين لم يلعبوا منذ اشهر، مثلما ناقض نفسه بنفسه حينما اشرك لاعبين غير جديرين بخوض مباراة هجومية، يناقض تصريحاته السابقة التي أكد فيها انه سيلعب مهاجماً على العكس من مباراة كوريا التي خاضها بشكل مدافع؟ وهو ما يجعلنا نعود لنطرح هكذا تساؤل.. لماذا لم يستمر المدرب على ذات التشكيلة التي لعبت أمام كوريا الجنوبية، باستثناء دخول ضرغام اسماعيل اساسياً بدلاً من علي عدنان المصاب من المباراة الماضية؟ ولماذا لعب بشار رسن اساسياً وهو بحالة فنية غير متكاملة، وهو ما ظهر واضحاً بوجود الشد العضلي في ساقه اليمنى؟ ولماذا لم يتم إشراك ابراهيم بايش ومحمد قاسم كلاعبين اساسيين، بمقابل منح صفاء هادي وهمام طارق فرصة اللعب وهما لم يلعبا مباراة كوريا الجنوبية؟ اسئلة من هذا القبيل تجعلنا نشك في اختيارات المدرب الهولندي، على أن من اختار التشكيلة أمام إيران تسبب في ارباكات كُنا في غنى عنها وتعيدنا الى ما كُنا عليه في زمن المدرب السابق ستريشكو كاتانيتش؟
وإذا ما علمنا ان ما حصل في الدوحة كان اشبه بالفشل الفعلي لسوء القراءة وعدم جدية البحث عن النتيجة المرجوة وهو الفوز، وخوضه لِمباراة بهكذا اسلوب نتيجة اختياراته العقيمة، فإن ذلك كله فتح لنا بوابات من الاستفسارات حول عدم قناعة المدرب باللاعبين الذين وضع ثقته بهم، وزجّه بعناصر، لم تكن بالأصل ملبية لطموحاته، وعليه فإن المنطق يحتّم علينا القول ان هناك ارباكاً قد حصل ليس في ساحة اللعب، بل على دكة البدلاء ايضاً، خاصة وان هناك لاعبين كان لتواجدهم سلبية كبيرة على خطوط اللعب، ومع ذلك استمروا في اللعب، بينما أخرج المدرب لاعبين كنا بحاجة ماسّة لبقائهم على أمل التعديل!
ما حصل في الدوحة يجب أن لا يمرّ مرور الكرام، خاصة وإن وقع الخسارة الثلاثية سيترك آثاره على الجميع، مثلما يجب أن تكون الخسارة درساً مهماً عسى ولعل أن نستثمره باتجاهه الصحيح شريطة ان لا نقطع الأمل في الاستمرار في طريقنا نحو المونديال المقبل!