علي حسين
أعتذر مقدماً، لأنني أتحدث في هذه الزاوية عن كرة القدم، بعد أن صدعت رؤوسكم بأحاديث عن طرائف الساسة وعجائبهم، وكنت أعيد وأصقل في حكايات الكتب وروايات الماضي، ولكن ماذا يفعل كاتب مثلي وهو يرى أن البعض يعتقد أن مباريات لكرة القدم يقف عليها مستقبل البلاد، ماذا أفعل حين أجد مَن يتحدث عن فشل الرياضة ، وهو يعيش كل يوم في غابة كثيفة من الفشل والخراب تبدأ بالخدمات ولا تنتهي عند التعليم .
لست ضليعاً في شؤون الرياضة، مثل الظاهرة مؤيد البدري الذي ترك التلفزيون عام 1993، لتستولي عليه برامج الردح السياسي التي انتشرت في الآونة الأخيرة، بعد ان تحول مقدمو البرامج إلى فلاسفة سياسيين واجتماعيين ينافسون المرحوم كارل ماركس. ولكني أعرف أن ما جرى هو منافسة في مباراة كرة قدم ينبغي وضعها في إطار سباق رياضي بعيداً عن الشعارات الحماسية مثلما فعل رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم وهو يعلق على فوز المنتخب الإيراني على نظيره العراقي بأن "الفوز على العراق كان هبة من الله للأمة الإيرانية"، مضيفاً، "لقد رأينا يد الدعم الإلهي والإرشاد والرحمة، في نظام الوجود والإيمان والثقة بالله". وكأن الرجل يعيش أحداث فيلم الرسالة ، ويتصور أن في العراق أقوام تنتمي إلى كفار قريش.
الحماس للفرق الوطنية مطلوب والحلم في الفوز حق مشروع للجميع، لكن القضية في البداية والنهاية هي منافسة رياضية ينبغي وضعها فى إطارها الصحيح، بعيداً عن "الهبة الإلهية"، وعبارات مثل "نظام الوجود والإيمان"، وكأن الفريق العراقي لم يدخل الإسلام بعد. في المقابل وجدنا صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في العراق تكيل التهم مع أطنان من الشتائم على لاعبي الفريق العراقي، وكأننا ضبطناهم وهم يخونون الوطن، صحيح أننا شاهدنا فريقاً يترنح في الملعب، وبدا افراده أشبه بمجموعة من المتنزهين، ويمكن أن تقول ما شئت عن أداء الفريق وانعدام الروح الرياضية وغياب إرادة الفوز، لكن ليس من حقنا ان ننهش بسمعتهم بهذه الطريقة، فهذا أمر مثير للاشمئزاز، وكاننا نسينا أنهم أنفسهم الذين اعتبرناهم قبل أيام جنود العراق الأشاوس، والمدافعين عن الوطنية "والغيرة العراقية".
للأسف البعض يعتقد أن فوزنا في مباراة لكرة القدم، يمكن أن يضعنا في مصاف الدول العظمى، وينسى أننا حتى هذه اللحظة نستجدي الكهرباء، ومدننا في المراكز الأولى لأسوأ المدن أمناً وخدمات ورفاهية.
أيها السادة لا مفاجأة على الإطلاق، في أن نخسر مباراة لكرة القدم، ألم نحصل كل عام على المركز الأخير بين البلدان التي تعيش في رفاهية، وهذا العام وبحمد الله تغلبنا على أفغانستان في التطلع للمستقبل، ما المفاجأة فى بلد استقال من التاريخ والجغرافيا والسياسة بمحض إرادته، وقرر الجلوس فى مقاعد المتفرجين والمشجعين؟.