فاضل ضامدتربع تحت ظلال النخيل وهفهفات نسيم مياه الأنهر وعذوبة الانتماء إلى البيوتات التي تخلت عن الأصباغ وأخذت لون التراب والخضرة المستمرة وكلماته التي تنطلق بعفوية غير قاصدة ، طائر مازال جناحاه واحد في الريف وآخر في المدينة لوحاته دواخله تخرج كما تخرج كلماته سريعة غضة ألوانه تسافر معه أينما حط يستطيع أن ينام تحت ظلال النخيل وتحت صفير أبواق السيارات.
الالتزام عند الفنان إبراهيم حسين يظهر على أعماله بعض من التوجس والخوف من النتائج فهناك شيء من السلبية وعندما يتجاوز ذلك الخط نحو حرية شاسعة ترى نتاجه حمل تلقائية وخصوصية عالية ، والالتزام بالقواعد الحرفية للمدارس الفنية يربكه ويحدث شروخا ربما أطاح بها عندما انساب نحو نوع من العبثية ببعض من القيود متجها نحو التغريب والميول نحو ذاتياته وتجاربه ، لكن كلاهما قد أفرزا مضامين في حراكه الفني خلال الفترات الزمنية التي أفرزت معرضه الثالث، وجميل أن نجد فنانا احتمى بمذهبية خرجت عن الأطر المألوفة عند الفنان العراقي من حيث الشكل والمضمون ربما لم تتجاوز عبثيته إلى المستويات الفنتازية لكنها كانت بوادر بهذا الاتجاه فالفنان إبراهيم حسين اصطاد في الماء العكر سمكته المختلفة بعضا عن أسماك بحيرته وكان ماهرا مختلفا مميزا رغم شوائب الارتباك في بعض من لوحاته نحو الواقعية والتعبيرية لانحدار الفنان من الطيف الملون الريف ، كانت نتاجاته ملهمة بتخطي تجارب آخرين نحو شخصية عميقة ذات دلالات عكست رؤى الفنان نحو التفرد ، وهي ميزان لقدراته العميقة لاختلاف التقنيات التي برع في إنشائها، هذا العمق جاء من جرأته في التنوع في مكان العرض الواحد، هو هجن أعماله على اختلافها من مواضيع وأساليب وأشكال كأطروحات أن لم تكن منهجية فهي ذات غايات بصرية وجمالية ليس أكثر،وهذا الجمال نابع من مقتضيات فرضت على الفنان لتجاوره طبيعة خلابة ومشاهد واسعة للعين لزيادة التبصر وجعل مخياله يسبر تلك المنعطفات ضمن حدود بيئته ، إلا أنه استطاع مناورا أن يغير أشكال الطبيعة إلى أشكال طلاسم ورموز ربما لم تكن موضوعية أو منحدرة من سلالة إلى حد ما.إبراهيم حسين شكل منعطفا جديدا في الحركة التشكيلية لما امتلكه من جرأة في طرحه لخطاب فني تجاوز فيه الخطوط الحمراء التي فرضت على الفنان المحلي من قبل المتلقي باعتبار أن الأخير لا يقرأ المفاهيم الساحرة والمتغيرات التي تطرأ باستمرار على السلوك والنتاج الفني عند الفنان لارتباطه بثقافة تتحرك تصاعديا نحو اكتشاف أسرار جديدة والولوج بها.الأشكال التي تحركت في فضاءات الخطاب الفني عنده كانت غير منتمية إلى حاضنة ما وحتى اللون والكولاج كانت تشدهما سرعة نحو تحرير اللوحة من قيود الصنعة ، وهو بذلك أعطى طابعا تجريديا غنيا بتحرك الفرشاة وإزالة جميع الأشكال التي توحي أو تحاكي كائنا ما ومازال انتماؤه البيئي يظهر دلالات من مكونات بيئته مستخدما القش والألياف وغيرها إلا أنه أخفى ملامحها حتى لا تبدو منتمية إلى مكان ما. في أعماله ربط الهدوء والغضب بمشغلات ديناميكية حتى لا ينفلتا عن بعضهما ، ديناميكية حاذقة تتحرك عبر مخارج الفنان لتشد حالات الاستقرار في المربع وحالة الغضب في الدائرة فعواصفه تأتي من خلال هدوئه حتى يرحل نحو التحرر إلى تكوين دمج بينهما ،وهي إزالات وتنح عن المفاهيم السطحية ، رغم التأثرات بالفنانين الغربيين مثل كاندنسكي وبولوك وغيرهما إلا أنه لا يتبع قوانين التأثير إلا من خلال محليته بربط المحيط ربما الأسلوب وحده تحرك على هامش تلك المؤثرات لكنه كان بارعا في التخفي وإظهار شخصيته الفنية الفذة، عندما يوقد هذا الفنان الشمعة الأولى للوحته بعيد ميلادها يتوتر لتشده اللوحة الأخرى وهو كما يقول (لأن أعمالي تأتي بلا موعد وتخطيط مسبق فهي قادمة من مكان ما ربما من الواقع من الأشياء الصغيرة أو من الطبيعة ، من الخيال أو من الفضاء) تلك المكانات عند الفنان مصادر الهام ممتلئة غنية ترفده بجديد ليتواصل فرهافة الحس التي يمتلكها كفيلة أن تصنع فنانا منتجا نوعا وكما.
الفنان ابراهيم حسين..الجرأة فـي الخطاب الفني وأشكاله غير منتمية الى حاضنة ما
نشر في: 6 يونيو, 2010: 05:23 م