طالب عبد العزيز
كلنا يصدّق الأحاديث والقصص التي سمعناها ونسمعها عن تزوير الانتخابات، وعن السلوك الشائن للكتل والاحزاب والشخصيات الرئيسية المشاركة، وطريقة عملها في إدارة التزوير هذا، وقد تولدت لدى الشعب القناعة النهائية بالكيفية التي تم بموجبها تشريع قانون الانتخابات، الذي لم يجرؤ أحد على المساس به، وآلية الحصص في إدارة المفوضية، وتنظيم الاجهزة،
وحركة الصناديق، وصولا الى النتائج، والخلاصات المحسومة سلفاً، وكل ذلك يجري بعلم الشعب، المغلوب على امره، والذي لم يعد يملك القدرة على الاحتجاج، بعد تقطيع أوصال حركة تشرين بالطريقة المعروفة.
ولا جديد، في ما قاله أحد أقربائي، من الذين تقدموا لاختيارهم مراقبين ليوم الانتخابات، بأنَّه وأصدقاءه كانوا تنقلوا بين أكثر من مرشح، وكلٌ يعرضُ عليهم موافقته، ومنحته المالية، بقبولهم إنْ صوّتوا لصالحه، بالطريقة المعروفة، والتي تتضمن تصوير ورقة الناخب بالموبايل. ولعل ما يدور في اروقة المرشحين من حيلٍ وألاعيب يفوق هذه وتلك. وسواء أجرت الانتخابات في موعدها المحدد أم لم تجر فالنتائج لن تتغير، وما الصراع الدائر بين الاحزاب والكتل بصابٍّ لصالح المواطن ومستقبل البلاد، أبداً، فالكل يريد الاطاحة بصاحبه، لكنهم يُجمعون على البقاء، ولم يكن إصرارهم على عودة الكتلة الصدرية لسواد عيون المواطن المسكين، إنما لأنَّ مشاركتهم تعني بقاءهم جميعاً.
تحالفُ الاضداد هذا سينهي مستقبل البلاد، خلال السنوات الاربع القادمة، إن تمت الانتخابات بشكلها المقروء اليوم. بعد أنْ بات واضحاً بانَّ الكتل والاحزاب الاسلامية التي تمسك بالسلطة لا تريد مغادرتها، على الرغم من كل ما جرى ويجري، في البلاد من ويلات جراء وجودهم على هرم السلطة فيها، وواضح أيضاً، أنهم غير معنيين بما تحقق من هزائم لأقرانهم في مصر وسوريا وتونس والمغرب أخيراً، معتقدين بأن الوضع في العراق مختلف عن سواه، وأنَّ المصالح المشتركة للأمريكان والايرانيين في العراق ستكون ضامنة لبقائهم، وقد يبدو الامر صحيحاً، الى حدٍّ ما، لكنَّ ذلك لن يستمر طويلاً، فمشاكل العراق في الامن والاقتصاد لا تحل بإدامة المصالح الخارجية لهذه البلاد أو تلك، إنما بما يمكن تقديمه من خدمات للناس، التي عجزوا عن تحقيقها.
أحوال العراق اليوم لن تحلَّ بانتخابات كهذه، وكل رهان على الفوز عبر ترعيب الناخب من خصم مفترض، بات محسوم النتائج، حيث لم تعد القضية عالقة بمذهب مهدد، ولا بورقة مغيبين، ولا بوجود رئيس وزراء شيعي فاشل، أو برئيس برلمان مرفوض من مكونه، ولا أيِّ شيء من هذا، الموضوع خرج عن قدرتكم في فهم إدارة البلاد، وهناك رفض عام لكم مجتمعين، وإذا كنتم فرحين بما حققتم من إقصاء للتشرينين، فهذا لن يدوم طويلاً، فالقضية العراقية تجاوزت بمدياتها قضية التشرينيين انفسهم. السياسي الذكي هو القادر على استشراف المستقبل، ليس المستقتل على إدامة حصته في البرلمان أو الوزارة، إذ، كل من لا يقرأ العاصفة في أول هبّة باردة للريح لا يصلح أنْ يكون بحّاراً.