TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عمودعالم آخر عدد(2616)

عمودعالم آخر عدد(2616)

نشر في: 9 أكتوبر, 2012: 05:06 م

"الماكو" العراقية يا غسان شربل
 سرمد الطائي
الكثير من معارفنا اللبنانيين يحاولون "تخفيف" شعورنا باللوعة ويقولون حين نقدم لهم وصفا لحال العراق "حالكم مثلنا بلبنان". وافتتاحية جريدة الحياة التي كتبها غسان شربل اثر مروره بمدن كردستان الزاهرة، ثم رؤيته لكركوك المنهكة، تضمنت تأويلا ذكيا للمدن الغارقة في الظلام، والغارقة في عزلة عن العالم، او الغارقة في "وصفة يوغسلافية" تتقطع فيها الاواصر بين ابناء الطوائف والاعراق.
الكاتب اللبناني يقول ان لبنان يعاني مثل ما يعانيه العراق، فهي منذ حرب السبعينات تعيش على المولدات  والجنريترات، وملف الطاقة لديهم مثلنا تقريبا حسب قوله، ابتلع بليونات وجدت طريقها الى جيوب السماسرة.
كلام كهذا يحاول "التخفيف من لوعتنا" على طريقة "من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته"، وكاتبنا استخدم المفردة العراقية "ماكو" في وصف حال الشرق الاوسط الذي يعزل نفسه بالنعرات الضيقة، راصدا "الماكو" وهي تتنقل برشاقة بين دمشق التي تهدم حلب، والمنامة حيث النزاع على اشده، والمسافة الفاصلة بينهما زاخرة بكل المكاره.
لكن على العراقي ان يضيف للاشقاء العرب ان "الماكو" العراقية تختلف عن "الماكو" العربية واليوغسلافية كثيرا. انها كلمة اعظم دلالة وأقسى اشارة. ففي لبنان ويوغسلافيا، كانوا يفقدون شيئا ويعوضون عن انفسهم بأشياء. اما في بلادنا فإننا نفقد كل شيء دفعة واحدة.
"الماكو" اللبنانية تحزن على الكهرباء، لكن فيها بقية تعايش اصيل بين طرائق الحياة، تتيح حتى في اماكن يسيطر عليها انصار رجال الدين المتشددين، ان تضع ملصقات اعلانية لحفلات رأس السنة. ويمكن في ظل "الماكو" ذاتها، ان تجد بلدية متأنقة في بيروت تحاول اللحاق بنظيراتها في الدول المتقدمة. ورغم "الماكو" اللبنانية والاقتصاد الفقير المحاط بألف خطر، يواصل عشرات الالاف بناء العمارات الفارهة على اجمل كورنيش في المنطقة. ورغم ان اكثر من طرف لبناني يهدد بإشعال بلده انتقاما من خصومه، وتعبيرا عن لبنان المخترق من ايران والخليج وكل الدنيا، فإن المستثمرين لا يقاومون اغراء شد الرحال نحو بيروت وإنفاق المزيد من المال.
اما "الماكو" العراقية فلا احد ينافسها في دلالات النفي والعدم والمحو. عشر سنوات مرت على "انفتاحنا السياسي" وخروجنا من العزلة الدولية، ولم نحصل الا على مجسرات كئيبة في كل المدن. كأن حكومتنا لا تعرف سوى بناء المجسرات الخارجة عن الكثير من معايير الهندسة والعمران والجمال.
"الماكو" اللبنانية تتيح للفرد ان يحزن على الكهرباء، ويذهب ليمارس رياضة المشي عند "الروشة" في الصباح الباكر. اما "الماكو" العراقية فهي تقودك ايضا الى هذا الكورنيش او ذاك، لتبدأ بلعن كل من عبث بالجمال ونشر الفوضى على شواطئنا وعمد الى تقطيع اوصالها بذوق متخلف. وفوق هذا وذاك، فإن معظم ذكرياتنا عن كورنيش هالايام هو الجنود والشرطة والعسس، الذين يمتطون صهوة الهمر المتبختر، سائلين الشباب قرب الشط: شعدكم هنا، ولماذا تقفون هنا. انصرفوا بسرعة.
"الماكو" العراقية، هي عدم كالح ومجدب في ارواح مسؤولين يوقعون كل يوم على "قائمة تعاليم" جديدة، متأثرين بجدنا حمورابي الذي كتب الشرائع وأصغى الى الاله شمش. مسؤول يقول انه يريد "اعادة تشكيل العقل العراقي"، وآخر يؤكد انه يهدف الى "تعليم العراقيين الادب"، وثالث يريد إلحاقنا بألف محور شر، وتنفتح شهيته على الدبابات والصواريخ لكي "يقوم بتأديبنا" ايضا بالطبع.
"الماكو" العراقية اقسى لانها مخطوطة بأقلام مجموعة من النافذين المصابين بتخلف عقلي وألف نوع من "الذهان والفصام" وكل انواع الاضطرابات الدماغية. وهذا النوع من البشر متخصص في "اعدام" الاشياء الجميلة وتبديد فرص تليق ببلد عظيم حقا. الاضطرابات النفسية والعقلية التي عاشها هؤلاء طويلا، جعلتنا في اعينهم شعبا يحتاج الى تأديب، ويستحق ان تتم سرقته طالما ذهب المال الى "دعم الاحزاب الوطنية"، وهناك من يفكر اليوم في جر شبابنا الى المعسكرات ثانية تحت طائلة "الخدمة الالزامية".
ماذا علينا ان نقوم كي نقدم وصفا لـ"الماكو" العراقية، التي تقوم بتكبيل ارواحنا كل يوم، منذ زمن اكبر مهووس عرفه العراق، اعني الدكتاتور السابق واضطراباته العقلية الشهيرة، وصولا الى طاقم السادة الافاضل المحاطين بالسراق واللصوص، والذين ينهمكون على مدار الساعة في اكبر محاولة لـ"تأديب الشعب وتهذيبه"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: صنع في العراق

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram