ترجمة اسلام عامرمن الحكمة ان نخطو الى الوراء في خضم هذه المحنة و ان نحاول فهم السياق التاريخي لما حدث في الماضي تلك الخطوة ستؤمن لنا القدرة على التنبؤ بالاحداث التي يمكن ان تستمر على المدى البعيد و تقدم لنا الادلة المحتملة الى ما يمكن ان تؤول اليه الاحداث و تطوراتها.
و يلاحظ الاقتصادي جون كينيث غالبريت ان :"ليست الافكار عدو الحكمة التقليدية و انما مسيرة الاحداث" فأذا استطعنا ترتيب اجزاء اللغز التاريخي ترتيبا صحيحا و ان نضع الصورة المتكونة قرب صورة الاحداث الحالية لأستطعنا ايجاد الصورة الاساسية و بذلك سنكون على فهم و ادراك كبيرين لما يحدث و ما يحتمل حدوثه الامر الذي يمكن ان يؤتي ثماره في توجهنا الاستثماري.إن السبب الأكبر من وجهة نظرنا في حدوث هذه الازمة الاقتصادية (على الرغم من وجود اسباب اخرى غيره) هو ان العالم قد عانى من نظام نقدي معيوب و ذلك منذ الحرب العالمية الاولى، لنلقي نظرة على سبب ذلك و على الكيفية التي آلت بنا الى هذا المأزق الحالي.كما قال جون كندي ذات مرة:" ليس الكذب و انعدام الشرف و التلفيق هو العدو الدائم للكذب، بل حتى الأسطورة و الإصرار المتواصل على المبادئ الخاطئة و الاقناع و انعدام الواقعية".فيبدو ان العالم يتصارع مع الاسطورة التي تقول ان العملة الورقية يمكن ان تدير بفعالية و على نحو لا يخلق اي نوع من التشوهات الواسعة النطاق و عدم الاستقرار الطويل المدى، لنلقي نظرة على الكيفية التي تجلت بها تلك الاسطورة، حيث ان ما خلقته هذه الاسطورة هو اختلال في اداء الوظائف. و كذلك ان نعرف الطريقة التي اثرت بها على الازمة الحالية. غالبا ما نجد انه من المفيد ان نستخدم السوق الحرة كقاعدة و من ثم نقوم بتحليل الاخطاء الموجودة فيها لنحاول فهم مكمن المشكلة الحقيقة. ففي معايير سوق الذهب العالمية الحرة،و كما يفترض دايفيد ريكاردو في نظريته (الفائدة النسبية) ان التجارة تتوازن في نهاية المطاف على المستوى دائم بين الشركاء التجاريين بالنسبة لفوائدهم المشتركة. و لقد ناقشنا هذا الامر سابقا لكن من المهم ان نفهم الميكانيكة التي تعمل بها هذه النظرية. فأذا كان البلد و لنفترض انه (س) (و لنطلق على ذلك البلد المانيا جدلا) يدير فائضا تجاريا مع البلد (ص) (و لنفترض ان هذا البلد هو اليونان جدلاً) و ذلك بموجب السوق الحرة، فان اليونان يستورد البضائع لكن يتوجب عليه ان يصدر الذهب لقاء ذلك الاستيراد. فبهذه العملية سينخفض النقد المتداول (و هو الذهب) و اسعاره بالمقابل ايضا، بينما سيرتفع النقد المتداول الالماني (و هو التزود بالذهب) الامر الذي يدفع الاسعار الى الصعود. و في النهاية فأنه سيتم الوصول الى موزانة دائمة حيث ان الاسعار منخفضة بما فيه الكفاية في اليونان بحيث لا يتوجب عليها تصدير الذهب بينما تكون الاسعار مرتفعة بما فيه الكفاية بحيث لا يتوجب عليها تصدير قيمة الذهب بالسلع كما هو الحال مع اليونان. و في نهاية المطاف ستكون الموازنة بين الذهب و السلع قد وصلت الى مستوى دائم من الانتاج و الاستيراد موصول بين البلدين و بهذه الطريقة ينتفع كلاهما و سيركز كلاهما على انتاج تلك البضائع التي تحقق لهم الفائدة النسبية الاقوى (او تحقق لهم اقل نسبة من انعدام الفائدة النسبية على الاقل). ان احد مشاكل صنع العملات الورقية هي انها لا تقوم بموازنة التجارة كما يقول ريكاردو لان معايير الذهب ليست مكتملة لتعمل بهذا الاسلوب.و ثمة عيب اخر و هو ان العملة الورقية تميل الى تعزيز عيبها هذا في قاعدة السوق الحرة، فأن نسبة مئة بالمئة من العملة الذهبية او مئة بالمئة من العملات الذهبية القابلة للتحويل التي تعود لنظام سوق ريكاردو الحرة لا تسمح بمستويات مفرطة من الديون المبنية على قواعد نظامية.فيجب ان تكون كل اونصة من الذهب المستعار موجودة و ان يقوم صاحبها الأصلي بأعارتها، و يمكن ان تتواجد عقود الدفع بالمقدم المؤقتة لكن يجب ان تقوم احد البورصات بالتعامل مع هذا الأمر و ادارته وفق تنظيمات محددة من شأنها ان تجعل من الطرفين متساويين وفقا للطرق الاقتصادية و حتى انتهاء الصلاحية، و هذا يعني ان المصارف لا تستطيع ان تجزئ ودائعها لتستطيع ان تقرض اكثر مما تملك واقعيا. و ليست السوق الحرة ذات القيم المبنية على الذهب وسيطة بين الاطراف الاستثمارية و المستثمرين فقط، بل هي عجلة حرة لهؤلاء المخاطرين و المقامرين. فلا تستطيع الحكومات ان تنفق اكثر مما يستعيرون او يفرضون ضريبة او اي زيادة في المصروفات على اساس انها نسبة من الناتج المحلي الاجمالي الذي يمكن للعامة ان تميزه و بسهولة و الذين يجب ان يتم اخذ موافقتهم في سبيل تمديده، فأن أرادت الحكومة ان تنفق مليون اونصة من الذهب يتوجب عليها امتلاكها في بداية الأمر، أما عن طريق الاستعارة او عن طريق عوائد الضرائب.
أزمة النقد العالمية
نشر في: 7 يونيو, 2010: 04:46 م