TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: بين سرقة وسرقة

العمود الثامن: بين سرقة وسرقة

نشر في: 19 سبتمبر, 2021: 10:54 م

 علي حسين

في مرات كثيرة أحاول أن أتخيل بماذا يفكر المواطن الأوروبي وهو يذهب في الصباح لشراء صحيفة أو البحث عن كتاب جديد، بالتأكيد ستكون اهتماماته متعلقة بأحدث إصدارات دور النشر وهناك من يهتم بشؤون البيئة أو البحث عن أماكن لقضاء أيام الإجازات،

وهناك نوع من القراء يصرون على تتبع أخبار المشاهير، أو معرفة أنواع جديدة من الزهور يزينون بها الحدائق، وأتخيل القارئ العربي على قلته وهو ضجر من الصحيفة وأخبارها التي لا تحمل إلا وعداً بالخراب، وآمالاً بالخوف والرعب وأحاديث عن الفساد الذي استشرى في كل مكان.. أما القارئ العراقي فهو محاصر بين مطولات عن الإنجاز الكبير الذي تحقق من خلال الديمقراطية العراقية.

ولأنني لا أريد أن أُدخل القارئ في نفق مظلم عن غياب قواعد اللعبة السياسية التي يراد منها إنتاج حالة من الإسفاف، سأتحدث عن الكتب، فقد قرأت ضمن أخبار الكتب والمكتبات أن كتاب "التاو" حقق مبيعات قياسية في العديد من دول أوروبا، والتاو كتاب في الفلسفة كتبه الفيلسوف الصيني لاوتسو، وهو معاصر لكونفوشيوس، ويعده الكثيرون من الدارسين للفلسفة الصينية الفيلسوف الأول.

من بين الحكايات التي ضمها كتاب (التاو)، اخترت هذه الحكاية التي تفاجئنا بحداثتها برغم أنّها تعود إلى ما قبل ألفين وأربعمائة عام.

والحكاية تقول:

كان في بلاد "تسي" رجل يدعي "كوؤ" وكان غنياً جداً، وكان في بلاد "سونغ" رجل يدعي "هيانغ" وكان فقيراً جداً. ذهب الرجل الفقير إلى الغني وسأله ماذا فعل ليصبح غنياً؟! فقال له "بممارستي السرقة. فعندما بدأت أسرق حصلت، خلال سنة، على ما يفي بحاجتي. وفي غضون عامين أصبحت في بحبوحة، وخلال ثلاث سنوات أصبحت موسراً ثم أصبحت من الأعيان، ولم يطلب الفقير المزيد من الإيضاحات، فودّعه والأرض لا تكاد تسعه من الفرحة وشرع للتو في السرقة، يتسلق الجدران أو يثقبها، مستحوذاً على كل ما يتفق ورغبته، لكن ما لبث أن ألقي عليه القبض. فأعاد ما استولى عليه إلى أصحابه وخسر زيادة على ذلك، القليل الذي كان يملكه من قبل، ولاعتقاده بأن "كوؤ" قد خدعه، ذهب إليه ولامه لوماً شديداً، فسأله "كوؤ"، وقد عقدت الدهشة لسانه:

كيف تصرفت؟

وعندما روى له الفقير طريقته، صاح "كوؤ": لم أجمع ثروتي عن طريق هذا النوع من السرقة، فأنا سرقت بحسب الوقت والظروف، فقد استحوذت على الأشياء قبل أن تصل إلى الناس، إن كل ما عندي سرقته، ولكن قبل أن يؤول إلى أي شخص، أما أنت فقد سرقت ما تركته أنا للناس، ماقمت به أنا سرقة عامة لا يعاقب عليها، أما ما قمت به أنت فسرقة خاصة ويعاقب عليها، إن الناس من أمثالي يعيشون من سرقاتهم، دون أن يكونوا في هذا لصوصاً".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram