طالب عبد العزيز
لم يبق من مباني البصرة التي بنيت قبل مئة سنة، أو أكثر بقليل، إلا بعض المساجد، وعدد من البيوت التراثية. المدينة تتعرض لمحو غير مشروع في ذاكرتها، بالامس أُعلِنَ عن تحويل أرض وساحل ميناء المعقل، أقدم موانئ العراق، بني في العام 1916 الى معْلم سياحي وترفيهي،
وقبله أزيل مصفى المفتية، الذي انشيء في العام 1953 ويجري الحديث عن هدم قادم لمطار المعقل(مطار البصرة القديم) وهو من مباني ثلاثينات القرن الماضي، وكذلك الحال مع فندق شط العرب، الذي افتتحه الملك غازي في العام 1938 ومن قلبل ذلك، تم هدم مبنى القنصلية البريطانية، الكائن على شط العرب، بطرازه المعماري الفريد، والذي بني قبل أكثر من 100 سنة، وكان قد اتخذ متحفاً للتاريخ الطبيعي، قبل الحرب مع إيران.
حكومات ما بعد 2003 غير معنية بالاثر العراقي، هذه أحزاب لا تملك شعوراً تاريخياً، ولا ضميراً وطنياً مشرفاً، هي نتاج عقل استوطاني، لادعائم له لذا، فرجالها ينظرون الى الثوابت التاريخية بما يزحزحهم، إذ، كل شاخص أثري يشير الى بانٍ، أو مجموعة بناة، وما هم ببناة، فيعمدون الى هدمها، ليخلقوا ارضاً مستويةً، لا تضاريس عليها، حيث لا يصحُّ أن نطلق عليها تسمية وطن، فالوطن ذاكرة وجغرافيا وتاريخ وثقافة، وهؤلاء خارج ذلك كله.
مضطرين، يُرغمنا هؤلاء الى مديح المستعمرين والدكتاتوريات، لأنهم بناة، وما اقسى الكلمة هذه، لكنها الحقيقة. حتى تموز من العام 1958 كان المستشفى الجمهوري في البصرة يسمى مستشفى الجنرال مود، والذي شيّد على الارض التي تبرعت بها أسرة النقيب الرفاعية، ولولا القصور التي بناها صدام حسين لما وجد أعضاء حكومات ما بعد 2003 مجلساً لهم ولأسرهم، وإذا جرى الحديث عن البناء فأنَّ الإعدادية المركزية في العشار والتي بنيت في العام 1925 مازالت تقدم خدماتها الى اليوم، بل، وهي أجمل وأمتن صرح علمي في المدينة، في الوقت الذي آلت فيه الى السقوط معظم المدارس، التي بنيت بعد العام 2003، والتي سرقت أموالها جهارا نهاراً، وامام انظار القضاء العراقي، الذي أذلّنا -أعزّه الله-.
لا نريد أنْ نبخس حق حكومة البصرة بالبناء في جملة مشاريعها الحديثة، لكننا، نجد أنَّ حماية المباني التراثية واجب وطني وانساني. وهنا، نلفت عناية المحافظ الى وجوب حماية قصور بيت النقيب في البصرة، وفي قرية السبيليات، بابي الخصيب، وقصور الشيخ خزعل، وبيت باش أعيان، وغيرها، والنظر اليها كدالة واقعية على تراث المدينة، واستملاكها بالسبل القانونية، ليأخذ الورثة حصصهم، وبذلك يسهل على الحكومة المحلية تحويلها الى متاحف ومعالم تراثية، والى ما تشاء من الاعراض، التي من شانها الحفاظ عليها قبل أنْ تمتد لها يد الاهمال والهدم. أو قبل الاستيلاء عليها من الاحزاب المسلحة الكثيرة، والتي ترى فيها لقمة سائغة.