ثائر صالح
يتردد علينا يومياً مصطلح الموسيقى الكلاسيكية، وكلنا نعرف إنه يشمل أنماط مختلفة تعود لفترات تاريخية مختلفة. لكن لماذا نفعل ذلك؟
ببساطة لأننا لا نمتلك مصطلحاً آخر أفضل من هذا. لا يمكن إطلاق تسمية الموسيقى الجادة عليها، فهذا استخفاف بالأنواع الأخرى من الموسيقى، وحتى مصطلح الموسيقى العالمية الذي حبذه الفنانان باسم حنا بطرس ومنذر جميل حافظ عند تقديم برنامجهما الراقي في تلفزيون بغداد أواسط السبعينات قد لا يفي بالغرض، فهو اليوم يستعمل للدلالة على موسيقى الشعوب. توسيع استخدام مصطلح الموسيقى الكلاسيكية وتعميمه على كل مراحل وأشكال الموسيقى الأوروبية لتمييزها عن أنواع الموسيقى الفولكلورية والمحلية بأنواعها والموسيقى الشعبية (بمعنى الترفيهية) لم يكن دون أساس.
تسمى الموسيقى التي ازدهرت في أوروبا (بشكل خاص في فيينا والامبراطورية النمساوية) بين حوالي 1750 – 1830 بالموسيقى الكلاسيكية، بتسمية أخرى مدرسة فيينا، وهي الفترة التي ترتبط بنشاط هايدن (1732 – 1809) بالدرجة الأولى، وكذلك بشكل وثيق بإبداع موتسارت (1756 – 1791) وبيتهوفن (1770 – 1827) الذي عاش حياته الابداعية في فيينا. هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الموسيقى جلبت نقلة نوعية في طبيعة الموسيقى الأوربية من عدة نواحٍ. فقد وصلت العديد من الظواهر الموسيقية الكمال خلال تلك الفترة، ينطبق هذا على الشكل والمضمون على السواء. فقد بلغ شكل السوناتا على يد هايدن القمة، من خلال تثبيت مخطط: تمهيد - عرض - تفاعل – إعادة العرض – الختام (كودا). استعمل هايدن شكل السوناتا في الحركات الأولى للعديد من الأشكال الموسيقية المستعملة في موسيقى الحجرة مثل السوناتا الرباعية الوترية، وطبّق هذا الأمر على السيمفونية والكونشرتو وغيرها من الأشكال الأوركسترالية. كل هذه الإنجازات لا تزال تشكل أسس الموسيقى إلى حد بعيد حتى اليوم. لهذا يعد هايدن أباً للرباعي الوتري، والسوناتا، والسيمفونية.
من ناحية أخرى أخذت الفرقة الموسيقية شكلاً واضحاً بعد تجارب طويلة قام بها هايدن وطبقها على فرقته عند الأمير أسترهازي. أصبحت الفرقة تسمى الفرقة السيمفونية الكلاسيكية وتتألف من أقسام محددة هي أقسام الكمان الأول والكمان الثاني والفيولا (براتشا) والتشيلو والكونتراباس (دبل بيز) (الوتريات) والفلوت والأوبو والباسون (فاغوت) ولاحقاً الكلارينيت (الهوائيات) ثم أقسام الترومبت والهورن والترومبون والتوبا (النحاسيات) وأخيراً قسم الإيقاع.
لكن التطور لم يتوقف على نوع الأدوات الموسيقية والأدوات التي تتشكل منها الأوركسترا، بل على عددها أيضاً، فهناك أنواع منها: ثنائية وثلاثية ورباعية وهذه التقسيمات ترتبط بعدد أدوات كل قسم من أقسامها نسبة إلى عدد أدوات الهوائيات، إن كانت أداتين أو ثلاثة أو أربعة في كل قسم، فيجري تعزيز اقسام الوتريات بعدد إضافي من العازفين بنسب محددة. الغاية هنا هي الحصول على تأثير صوتي (أكوستي) متوازن وجميل.
أما إذا انتقلنا إلى المحتوى الاجتماعي من ناحية ثالثة، فقد ارتبطت الفترة الكلاسيكية بنمو وتعاظم تأثير الفكر التنويري وظهور الدولة البرجوازية "القومية" وفك ارتباط السياسة والحكم بالدين (العلمانية) والنزعة نحو احترام الحريات (الشخصية الفردية والدينية). وبالطبع يحلو للأوروبيين استخدام مصطلح الكلاسيكية للدلالة على الحضارة اليونانية – الرومانية التي احتلت أساطيرها موقعاً مهما في الخيال الفني منذ عصر النهضة.