TOP

جريدة المدى > عام > الطاطران وتمثيلات الآخر

الطاطران وتمثيلات الآخر

نشر في: 25 سبتمبر, 2021: 10:33 م

ناجح المعموري

لم تختلف رواية طاطران للقاص عبد الستار ناصر عن غيرها من الروايات العربية التي عاشت الآخر وكتبت عنه وحتماً كان التباين واضحاً في مدى معرفة الآخر وإدراك مغزى العلاقة بين الشرق والغرب .

وتمثيل الآخر امر حتمي ونتيجة طبيعية للتعايش . وكان الغرب هو الأسبق في اكتشاف الشرق وتمثيله مدفوعاً بعديد من الأسباب التي لم تكن بريئة . ولذا اقترح الغرب مؤسسات كاملة للنشاط في مجال الاستشراق الذي خضع للقصدية بالتعامل مع الشرق وأساطيره والنساء فيه وسحرياته . وأشارت الدراسات المعنية بالكولونيالية الى أن حوض المتوسط هو المكان الأنجح لدراسة العلاقات بين الشرق والغرب والعصور القديمة هي التي تشكل مركز الانطلاق الالزامي . وفي هذه المنطقة يتقاطع المختلف بالواقع تقاطعاً لصيقاً كما قال تيبري هنتش الذي أكد على أن الاسطورة حاضرة في تصورات الغرب للشرق ولكن كيف تتمفصل هذه الاسطورة المؤسسة للتضاد شرق / غرب ؟ بأي شكل مازالت ظاهرة حتى أيامنا ؟ كيف تؤشر على رؤية الغارب المعاصرة للشرق وبخاصة رؤية الشرق المتوسطي ؟ لان عالم المتوسط هو الذي تمت فيه بين ما يسمى اليوم بالغرب والعالم الثالث ، اطول اعمق مخالطة ، انه الحوض الذي صنعت فيه مختلف الغرب متورط بالشرق كما قال هنتش مثلما هو نقضيه ، لكنه يخشى من حين الى اخر ان يكون ازدهاره هو مرتبطاً به .

اشار القاص عبد الستار ناصر الى عدد من التجارب العربية التي حاولت تمثيل الغرب بوعي ومعرفة مختلفة بين كل من سهيل ادريس وتوفيق الحكيم والطيب صالح وعبد الحكيم قاسم ، وحتما هناك الكثير من التجارب في هذا المجال ، ولعل تجربة عبد الستار ناصر هي احدى التجارب السردية المتأخرة والتي حاولت تمثيل الغرب ورسم توصيفات للشرقي المثقف عن الاخر . وتعال عبد الستار ناصر مع هذه الثنائية بوصفها اسئلة الحضارات ، حتى يتمكن من تقديم الجواب الضروري والمهم ، وتستحق رواية الطاطران اهتماماً لأنها قدمت الشاب العراقي محمود عيسى باعتباره بطلاً فحلاً اقتحم الغرب ، مزوداً بجماله وذكورته وطاقته الموروثة من العائلة وايضا من الطاطران حيث الشيخ او الطوق المطارد للنسوة وقد تذكره في اللحظة التي يتجه فيها نحو الشمال حيث ايقن محمود ( العالم ليس ما ظننت ، لم يكن ابداً كما تخيلته في صباي ، لست افهم السبب الذي ارغمني ــ وانا اقضى صوب المجهول ــ لماذا تذكرت « ابو الطوق « جاء الى ذاكرتي ، وانا احدق الى تلك الشقراء تمسك بين يديها غيتاراً وتغني ص27// لم يستحضر الشاب غير صورة الشيخ « ابو الطوق « لأنه رمز ذكوري صاغت الحكايات كارزميته وسط حي الطاطران ( الذي لا يزيد طوله على تسعين متراً وعرضه ثلاثة امتار ، زوايا بيوته وبطونها تتدخل في بعضها ، وسطوح البيوت ارض حرة ، ليس ثمة اسرار ، الفقر افضل من يكسر اسرار البيوت ص16//

تنطوي الرحلة نحو الاخر على احلام وتخيلات ذكورية باحثة عن الجسد الانثوي ، لان الغرب لن يكون غير ذلك وكأن الشرقي لا يمتلك غير فحولة جبارة ، لكنها محرومة للأسباب الثقافية والدينية . وتبدّى واضحاً من خلال الشاب العراقي محمود عيسى الانموذج المعبر بوضوح عن المثقف وهو يدخل فضاء الاخر . لا للتبادل الثقافي والتواصل الحضاري . ولم تقدم رواية الطاطران اشارة واحدة على حلم العراقي محمود عيسى الملاحق في بلده بسبب جماله المثير ، حلم الشاب بالتعرف والاكتشاف . ولم يضع هذا الشاب برنامجاً سياحياً خاضعاً لانشغالات ثقافية ومعرفية ، والمدن التي زارها محمود مثل روما / وفينيسيا لم تكن مدناً خاصة بالنساء والرجال من اجل الاشباع اللذي والتورط كلياً بالانثى مثلما حصل لمحمود مع عدد من النساء والفتيات .

تحدث القاص عبد الستار ناصر في المقدمة القصيرة عن رواية « الطاطران « التي توزعت بين القاهرة ودمشق وهو يحاول ايجاد ناشر لها ، وكثيراً ما تحدث عنها القاص في حواراته الثقافية ، ووردت اشارة موجزة في نهاية المقدمة الى انها من الروايات المعنية بالاخر وسؤال الحضارات . لكن الرواية كما قلت لم تقترب من هذا الهم الذي تمركزت حوله العديد من الروايات العربية ، واعتقد بان الطاطران وقعت باشكالية عدم معرفة اللغة باعتبارها وسيطاً مع الاخر ( انني لا افهم من لغات الدنيا غير ما تعلمته ايام دراستي ) لكني ينسى هذا الكلام ويعاود الاقرار بأن الكلمات ( اقتربت منه وصارت طوع يديه ) و ( بعد نصف ساعة على غيابها ، تمكنت من حفظ جملة مفيدة قد تكون صالحة لاعتذاري /ص18) ولا ادري كيف توفرت له امكانية معرفة ما تعنيه عندما تتحدث معه وهو غريب ويسافر لاول مرة في حياته ويريد الاعلان عن فحولته فقط .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram