رعد العراقي
واقع مرير تعيشه الكرة العراقية منذ سنوات طويلة، أطاحت بها من أعلى القمّة لتتدحرج شيئاً فشيئاً، حتى باتت قريبة من أسفل الهرم الكروي على الصعيدين الآسيوي والدولي، بينما من حولنا تمسّك بطريق الاحتراف والتنظيم والتخطيط ليقطع اشواطاً كبيرة نحو المنافسة على إيجاد موطىء قدم له بين كبار القارّة الصفراء تاركاً كرتنا تعيش على أوهام وأمنيات وتاريخ نتغنّى به هو كل ما تبقّى لنا لاقتناص فوز هنا أو هناك يحفظ ماء الوجه!
نعم تلك هي الحقيقة التي يخشى الجميع أن يجهر بها لمصارحة الجماهير، فنحن لم نعد قوّة كروية تخيف الآخرين بعد أن أجهزَتْ عليها الفوضى الإدارية، وغياب المحاسبة القانونية، وتصدّر شخوص لا خبرة لهم في علم الإدارة والتخطيط لأغلب الأندية المحلية التي فرضت سطوتها على كل مشهد انتخابي ضامنة التمسّك بمناصبها مهما سجّلت من اخفاق وتراجع أو فشلت في النهوض بأنديتها سواء بتحسّن البنى التحتية أو إيجاد موارد مالية تبعد عنها خطر الإفلاس والاعتماد الكلي عن الهبات ومساعدة خزينة الدولة لهم.
يخطئ من يظن أن المشكلة تكمن في نضوب المواهب الكروية، فالعراق ثريّ بلاعبين مهاريين، إلا أن جهل اكتشافهم وكيفية اسثمارهم هو من أطاح بالكثير من الطاقات وجعلها تبحث عن منافذ الوساطات ومسالك التقرّب من تلك الأندية عسى أن يجد بصيص فرصة لاظهار قدراتهم وإلا فإن النسيان سيطيح بآمالهم بعد أن يتعدّاهم قطار العمر.
ليس هناك من دليل لا يقبل الشّكّ بفشل تلك الأندية ومسؤوليتها المباشرة عن تراجع الكرة من مشهد فضيحة مديونية 17 نادياً من الدوري الممتاز أحّدهم من الدرجة الأولى، بمبلغ 17 مليار دينار أساءت لسمعة الكرة العراقية خارجياً، وأثبتت أن تلك الإدارات لا تدرك ما تقوم به من تخبّط في تنظيم مفهوم الاحتراف، وأسلوب التعاقد مع اللاعبين بشقّيه المالي والقانوني، فهي تذهب نحو استقطاب اللاعبين بمبالغ مالية كبيرة في وقت هي تشكو من خواء الخزينة من دون أن تدرك العواقب القانونية لأي إخلال بتلك العقود وما تشكّله من إساءة ومحاسبة لا تطال فقط النادي، بل ينسحب على الكرة العراقية ونشاطها الخارجي، فمَن منحهم تلك الصلاحية في التلاعب بمقدّرات كرتنا المظلومة، وجماهيرها في أن تدفع ثمن فشل وتخبط تلك الأندية؟!
الغريب أن تلك القضية لم تحرّك مدارك تلك الأندية في إيجاد الحلول لها قبل انطلاق الموسم الجديد وتحاول تسوية المديونية بالمبالغ المتوفرة لها، بل أنها واصلت لعبة (التعاقد) بلا أي مبالاة بالعواقب، وكأنها تدرك أن هناك من سيتولّى سداد ديونها بدافع انقاذ الكرة العراقية من العقوبات وتتحمّل خزينة الدولة كل الأموال التي أهدرت بلا رقيب أو شعور بحجم المسؤولية.
إن اتحاد الكرة الجديد قد يكون تسرّع من دون دراسة متأنّية في الموافقة على إعلان انطلاق دوري الموسم الحالي بعيداً عن مبرّرات البعض بضرورة الالتزام بالموعد المقرّر من (الفيفا) بإنهاء دوريات اتحادات العالم في30/5/2022 وقبل انطلاق نهائيات كأس العالم وكان ينبغي تأجيل دورينا لما بعد تاريخ 1/11/2021 موعد إنتهاء مهلة الاتحاد الآسيوي لتسديد ديون الأندية المذكورة ووضع روزنامة استثنائية تضغط المواعيد وتستبعد أي تأجيل لأي سبب كان، وتستغلّ الوقت بمفاتحة الجهات الرقابية والقانونية لمتابعة وتدقيق هذا الملف ومحاسبة كل المقصرين قانونا ممّن سرى فعلهم بالتأثير والضرر على الكرة العراقية وسمعتها وما يترتّب عليه من توصية تضع الهيئات العامة أمام مهمّة سحب الثقة عن كل من يثبت تسبّبه بتراكم الديون وهدر الأموال وتقطع أي طموح لهم للتمسّك بالكراسي.
نحن نحتاج لأندية تعظّم الموارد المالية وتستقطب المواهب لاستثمارهم وتنظّم العقود القانونية مع اللاعبين بشكل أصولي بعد أن تؤمّن كل المبالغ اللازمة..لكننا لا نحتاج لمكاتب عقود بدائية ولا لمنافذ صرف استهلاكية، ولا لزبائن دائميين لمحاكم دولية تلزمهم بدفع كل الديون المالية، ولا يجدون مُنقذ غير خزينة الدولة، تلك هي أصل حكاية خراب الكرة العراقية.