علي حسين
عندما سُئلت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن اهدافها من الترشيح لمنصب المستشار ، قالت جملة واحدة :"يمكنكم أن تثقوا بي" كان ذلك عام 2004، وكان عمرها آنذاك 48 عاماً، لتُنتخب عام 2005 مستشارة لألمانيا، في ذلك الوقت كانت ألمانيا تعاني من أزمة اقتصادية وصل فيها العجز المالي إلى مئة مليار دولار وملايين العاطلين، وقفت وسط الجموع لتطلق عبارتها الأخرى "نعم نستطيع".
أعرف جيداً أن الكثيرين من القرّاء الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من الترف لا يهم المواطن البسيط المبتلى بأنباء الاصلاح والبحث عن الدولة التي اضاعها " جهابذة " الساسة ، ولكن اسمحوا للعبد الفقير أن يتحدث عن المستشارة الألمانية ميركل وهي تودع الحكم بعد خمسة عشر عاماً كانت فيها تتسوق بمفردها من دون حمايات ولا مصفحات، ولا ضجيج، ومعها صورة لعشرات السيارات الحديثة ترافق موكب السيد محمد الحلبوس ، واغنيات كتبت ولحنت خصيصا لخميس الخنجر . ستقول مثلي ما أعظم المسؤول حين يؤمن أنه إنسان عادي في زمن يصر فيه المسؤول والسياسي العراقي لايخرج إلى الشارع إلا وأفواج الحمايات تحيطه من كل جانب، خوفاً من نظرات الحسد التي يحملها الناس له .
عام 2010 تساءلت صحيفة الغارديان اللندنية: كيف لبلاد بسمارك وغوته وهلمت كول أن تضع مصيرها بيــد امرأة بسيطة المظهر؟.. لا تاريخ سياسياً.. لا أناقة.. والأهم: لا شيء من ملامح الحزم.. الغارديان التي سخرت من ميركل عادت بعد سنوات لتعلق على وقوف ميركل إلى جانب الأقلية المسلمة في ألمانيا، قائلة إن هذه المرأة تدهشنا كل يوم بفعل عظيم.
ميركل التي كانت تطمح ان تصبح معلمة وجدت نفسها تتسلم اعلى منصب في المانيا ، لتعلم الساسة كيف يمكن للمسؤول ان يدير البلاد بلا ضجيج ولا قوانين تجتث الاخرين .
أرجو أن لا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد ميركل وبلاد أصحاب الفخامة، لكنني أحاول القول دوماً، إنه لا شيء يحمي الشعوب من آفة الخراب سوى مسؤولين ومعهم رجال دين يعرفون معنى التواضع وينظرون إلى العراقي باعتباره شريكاً لهم في الوطن، وليس مجرد نزيل لا يحق له حتى الاحتجاج.
قبل اشهر شاهدنا ميركل غاضبة، وتعتذر من الناخبين، لماذا؟ لأن حزبها في ولاية تورينغن الصغيرة تحالف مع حزب يميني متطرف معروف بمواقفه المتشددة ضد اللاجئين والمسلمين، واصفة ما حدث بأنه كان "يوماً سيئاً للديمقراطية".. سيقول البعض إن السياسة هي فن المصالح، لا ياسادة هذه السيدة قدمت لنا وللعالم درساً في أن السياسة فن احترام المبادئ والناس .. وألان عزيزي القارئ وانت تقرأ حكاية ميركل : هل يمكنك ان تثق بجماعتنا ؟ الأمر متروك لك .