TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: هل مات كامل شياع؟

العمود الثامن: هل مات كامل شياع؟

نشر في: 28 سبتمبر, 2021: 11:22 م

 علي حسين

كانت قامته الباسقة كشجرة، الوجه الآخر لسيرته الواثقة وقناعاته الراسخة وإيمانه العميق بالنهايات المنتصرة لقيم التغيير والثورة والعدالة الاجتماعية، لذلك كان كامل شياع ينظر باستخفاف لتلك الأخطار التي نبهها إليه بعض الاصدقاء المتمثلة في الظهور العلني والسافر لقوى الظلام التي ظل يؤكد ضرورة محاربتها لأن الحياة مع المستقبل.

لقد أدرك كامل شياع الذي تمر هذه الايام ذكرى استشهاده ، على نحو مبكر أننا يجب أن نعيش عصر المستقبل، كان الإيمان بالمستقبل يتخلق تدريجياً في وعي كامل شياع وبسبب شغفه بقضايا الناس التي كان يريد من خلالها الوصول إلى عالم جديد. المرة الأخيرة التي شاهدت فيها كامل شياع كانت في خميس قضيناه بقاعة حوار بصحبة بعض الأصدقاء وكان وجهه مفعماً بالحيوية وروحه المرحة ولسانه لا يكف عن التقاط الأفكار، تحدث عن مشروعاته وعن الخير الذي ينتظر البلاد في حال إيمان ساستها بالمستقبل، هذا المستقبل الذي لا يمكن بناؤه بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي. وللأسف النسبة الأكبر من قوانا السياسية ما زالت مشدودة للماضي، وغير قادرة على إدراك أن المستقبل، بالنسبة لنا، أهم من الماضي. كان يدرك بأن قيمة الحياة في المستقبل، المستقبل الذي دفع من أجله أجمل سني حياته مشرداً من منفى إلى منفى، فقد عاش كامل شياع مثل كل المثقفين الأحرار مرارة المنفى، حين كُتب عليه أن يتنقل من بلد إلى بلد، متوارياً عن أجهزة القمع وقسوة الاضطهاد، مكتوباً عليه أن يكفر عن "جريمة " التفكير الحر . ولأن الوطن، لم يكن بالنسبة لكامل شياع، وطناً ترسمه ذكريات وأحداث، ولا هو وطن، تحدده سياسات ومبادئ، وإنما الوطن كان بالنسبة له مغامرة، مغامرة ليست فقط في العيش في بلاد هي الأخطر وإنما في بلاد هي العشق، العشق الذي يحتم علينا أن نبني هذه الأرض ونصنع وجدانها وقيمها.هذه هي المغامرة التي قدم كامل شياع حياته قرباناً لها. يكتب في واحدة من رسائله إلى ابنه: "بين جسر باب المعظم وجسر الشهداء تمتدعلى جانب الرصافة بغداد القديمة. تحت ظلالها الأنيسة سنجلس يوماً لنسمع دقات ساعة القشلة، ونراقب اللقالق تحرس أعشاشها، ونتحسس حجارة مبانيها الصفراء. وتحت وهج الشمس البيضاء سنخطو نحو دجلة المتعب، المتأجج ابداً...... حينها سندرك سرّ بغداد من دون صورة أو خبر". باستشهاد كامل شياع أدركنا نحن، محبوه، بأن بغداد ظلت راسخة في قلبه ، فهي الأمل بعالم جديد ، أمل يأتي احيانا عبر تساقط الشهداء الذين يؤذنون بفجر جديد والذين وصفهم بلند الحيدري بقوله: بغداد من قال بأن القتلى من أجلك ماتوا؟.. سيجيئون غداً وسنعرف فيهم كل شموع الأعياد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Khalidmuften

    رحم الله كامل شياع حيث الشرفاء والاحرار تحت الثرى والفاسدين والسراق يشمون هواء العراق .

  2. شذى

    الله ياأستاذ علي, لقد طال الانتظار وكثر الشهداء ومازلنا نامل بعالم جديد

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram