TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > نقـد مسرحـي ..صعوداً بالعد التنازلي لمكبث

نقـد مسرحـي ..صعوداً بالعد التنازلي لمكبث

نشر في: 8 يونيو, 2010: 05:07 م

د. يوسف رشيدمنذ بداياته الأولى كان (احمد حسن موسى) قد اصطف الى جوار عدد من المخرجين المسرحيين الشباب الذين فعلوا فعلهم المؤثر في حركة المسرح العراقي واشروا حضوراً متميزاً وبقوة لهذا المسرح عراقياً ودولياً في إعادة إنتاج صيغ العرض فكرياً وجمالياً..
ولعله اليوم يستمد من تلك البداية الواثقة، ثقة بالنفس تجعله قادراً على الوقوف امام الذائقة العراقية الخطرة من حيث تعدد مشاربها ورغائبها ووعيها في قراءة المشهد الانساني والابداعي، لذا فقد اختار هذه المرة التعامل مع مدونة نصية (لعلي عبد النبي الزيدي) وهو يتناص مع (شكسبير) في رائعته (ماكبث) بينما اختار (احمد موسى) ان (يتعرضن) اخراجياً مع ذاكرة جمعية شهدت اكثر من كتابة اخراجية للنص الاصيل وقراءات الكثير من البحوث والدراسات المستفيضة حولها من خلال رصد (الزيدي) للحظات (العد التنازلي لمكبث).rnحيث ان قيمة الكشف الافتراضي لزاوية تناول الموضوع واشتغال المخيال التاليفي على منطقةٍ لم تكن تحت الضوء تماماً يعد كشفاً ابداعياً يحسب لصالح التاليف النصي ليأتي من بعده الاخراج في تسليط الضوء على ذلك الانهيار الذي انتهى اليه حصان الروح الطامحة والمتميزة لمكبث واحلامه الانتقامية المريضة.لذا فقد عمدت الكتابة الاخراجية الى تعميق الشعور بهذا الكشف من خلال اشاعة ذلك الفضاء الـ (الكابو حلمي) الذي اتسمت به مساحتي الارسال والتلقي – فهو حلمي بحدثه وكابوس باشاعته النهاية المريرة لروح الجبروت والانتقام وهو ارسالية دلالية في فضاء خانق لتلقي العرض – عتمة – وحرارة مكان وخامة عرض، رغم روعتها الا انها كادت تغلفنا مع الحدث في هلامية ذلك الكابوس.وعليه فقد اندرجت القراءة والتلقي تحت تأثير قصدية الموضوع الذي لم يكن ليكلف المتلقي أي عناء في تحقيق التواصلية مع فكرة العرض وبداهة الاحالة الاجتماعية الشاملة التي استهدفها الاخراج جمالياً، فكان كل شيء يسير وكأن المتلقي معايشاً لذلك الاستدعاء القصدي داخل مزدوج، مرة مما يتعلق بحياته اليومية وراهنية الحدث الذي صار بحكم التقادم الزمني يخضع لقوانين تضعه في اطار الماضوية،ومرةً اخرى من ذلك المكان الذي ينتخبه من الوعي ليكون فضاءاً لنشاط اجتماعي يتحقق فيه فعل المشاركة المادية والاجتماعية في الاتصال والتعابر مع وجدان العرض الذي لم تخلو قوانينه هذه المرة من الوضوح في تحديد موجهاته التي افصمت بيسر عن قوانين اللعبة الجمالية.فمكبث الذي لطالما انتسب الى رحم الاوطان التجريبية التي احتضنته في تصدياتها الابداعية الكثير لم ينجو هذه المرة من الوقوع في شرك التعاطف الذي ربما لم تكن تعمد اليه المعالجة الإخراجية – فصوت (فلاح ابراهيم) رغم قدراته التمثيلية المعروفة كان يفيض حزناً وشجناً، رغم ما يخالجه من وجع الانهيار كان في لحظات مثيراً للتعاطف، وربما ساعد على ذلك الايغال في افتراض آن الدكتاتورية هي مرض ويستدعي العلاج الطبي.ومن جانب اخر قد يخالفني البعض في الرأي حول توظيف موهوبين من قصار القامة حيث اني وجدت آن ثمة توظيف موفق في العرض للبعد الجسماني لـ (هدى وفائز) في لعب دور (الفئران) منذ اللحظة الاولى لظهورهما على المسرح الا ان أي توظيف مثير قد يفقد دهشته كلما تكرر اوطال تواجده اذا لم يكن ينطوي على محمول تأويلي او مضمون فلسفي، فالقراءة التأويلية للشكل او الشخصية لها زمنها الذي ينبغي ان يأخذ بالحسبان وهذا لا ينفي ان المخرج قد استفاد من هذا التوظيف، ولكن القراءة النقدية الحديثة تطمح الى الارتقاء بالعرض الى مواقع متقدمة على المالوف والمحدودية اذ ان المسرح صار يقرأ بوصفه حقلاً دلالياً وسيلاً متدفقاً وجارفاً احياناً من الاحالات والانفجارات العلامية لترتقي بالعرض موضوعياً وفلسفياً وجمالياً.وعليه فان فكرة التوظيف كان ممكن لها ان ترتقي بمحمولات ذات كفاءة فلسفية من شأنها ان تغير من خلال الاخراج، الكثير من مجريات المدونة النصية بوصفها النسق المتحكم بالمنجز – حيث ان التصاق هذه الفئران باجساد (مكبث + الليدي) هي معادل موضوعي للبقعة الجرمية التي كان قد عمقها (شكسبير) في ضمير (الليدي مكبث) – انهما مسوخ جرمية لصيقة بالشخصيتين وتلازمهما وهذا ما اشتغل عليه الاخراج بشكل جزئي في احد مشاهد مكبث، ولكن لم يطوره كثيراً، اذ كان ممكناً ان يكون لهما فعل (الخنجر) الذي ظل يلوح لـ (مكبث) و (البقعة) التي لا تزول ولا تبرح دواخل (الليدي) – وهذا لا يتقاطع مع الرؤية المعاصرة لنسقي التاليف والاخراج فكلاهما يحتمل ذلك وكلاهما عمد الى قصدية الاستدعاء لـ (ثيمة) المنجز الشكسبيري ووضعها في تداولية الان المعاصر.فبنية النص التي كانت متماسكة اجترحها المؤلف للاخراج من خلال الإزاحة القصدية والخلخلة التي ساهمت العقلية الإخراجية في اظهارها، باطلاق (ثيمة الانفجار) المرتقب في راس مكبث، واحالة ذلك الهوس الى حالة من الطوارئ والاستنفار الذي استمد مقبوليته من راهنية الحالة ليوميات المتلقي – غير ان العرض والنص لم يبشرا بأمل مرتقب لا من غياب مكبث ولا  في حضور القادم الذي اعتلى منصة الحكم من بعده (وهذا ليس شرطاً نقديا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram