علي حسين
يتحول بعض السياسيين والحكام في مرحلة تاريخية معينة إلى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا.. فبعد أسابيع يستذكر العالم رحيل الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا الرجل العجوز الذي عاش ومات وهو ضمانة لكل السكان بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم.
سحر مانديلا العالم بتواضعه، وبعفوه الدائم وبابتسامته السمحة التي دفعت ملكة بريطانيا إلى أن تخالف البروتوكول فتقرر الوقوف في باب القصر لاستقبال الرجل الذي قرر ذات يوم وفي هدوء أن ينهي سلطة الرجل الأبيض على القارة السمراء، وقبل أن يسحر مانديلا رؤساء وملوك العالم كان قد سحر سجانيه البيض الذين ظلوا خلال سنوات سجنه الطويلة يهربون له القهوة والشاي والطعام الخاص بهم.
من منا يتذكر اليوم اسم الرجل الذي قرر أن يودع مانديلا السجن، لقد ظل لوحده الحاضر الوحيد في السلطة وخارجها، سجيناً وحراً، يملأ المدن الكبرى بسلوكه العفوي، والذي قال في لحظة حرجة من تاريخ بلاده: "نحن لا ننسى الظلم.. لكننا نريد أن نعلم العالم التسامح".
يبدو الحديث عن مانديلا أشبه بالحديث عن حلم عاشه رجل في زنزانة ضيقة وحين أُطلق سراحه عمل جاهداً على المحافظة على بلد متماسك بكل ألوانه، كان الأمر في البداية أشبه بالمستحيل، فالكل يشحذ سكاكينه، والكل يتهيأ لحرب الانتقام، وكان أمام العجوز الذي خرج منهكاً من المعتقل خياران، الأول أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه لأكثر من ربع قرن، وحكموا مواطنيه الأفارقة بقوانين تساويهم بالحيوانات، والخيار الثاني أن يحافظ على أمن وسلامة البلاد وروحها، فاختار الطريق الثاني وهو ألا يلغي مواطنة البيض الذين استقروا في هذا البلد منذ أكثر من ثلاثمئة عام إلى جانب السكان الأصليين ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة، وعقاب المخطئين بمحاكمات الاعتراف العلنية لتطهير النفس بديلاً للانتقام والقتل، وحين أكمل ولايته الأولى في الحكم عام 1999 قرر أن لا يترشح لدورة ثانية وذهب يتقاعد، يطوف البلاد ليُطمئن مواطنيه البيض قائلاً "إذا كان الماضي البغيض لكم، فليكن المستقبل الهانئ لكم ولنا. تعالوا نعمل معاً، سوداً وبيضاً، من أجل أرض واحدة وإنسان واحد".
لعل التجربة السياسية لزعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا تستحق من كل الساسة في العالم وأولهم حديثو التجربة في العراق أن يطالعوها، فالرجل الذي أمضى نصف عمره في زنزانة انفرادية، توقع المقربون منه أن خروجه من السجن يعني أن لحظة الثأر قد حانت، لكنه لم يحقق لهم مبتغاهم ودعا الجميع إلى نسيان الماضي .
أتمنى أن يقرأ ساستنا سيرة مانديلا ليتعلموا أن السياسة هي فن المحافظة على الشعوب، لا فن التلاعب بأقدار الناس.
جميع التعليقات 4
عدي باش
لو قدر ل(تشرشل) أن يشهد فترة حكم المناضل مانديلا ، لأعاد النظر في موقفه فيما يخص علاقة السياسة بالأخلاق ..
عدي باش
عندها سيزول إستغرابه و يكتب بخط يده على شاهد ضريح مانديلا : هنا يرقد الزعيم السياسي و الرجل الصادق
كاظم كصطفى
وهل قرائتهم لسيرة مانديلا سيغير ما في قلوبهم من حقد وشراها وانانيه ؟؟؟
Anonymous
مع الآسف ساستنا لا يقرؤون ،فهم مهتمين بسرقة البلاد اهم من القراءة