شهادة للتاريخ والأجيال
د. قاسم حسين صالح
في( 17 تشرين ثاني 2019) دعيت من قبل خيمة جواد سليم الى القاء محاضرة على المتظاهرين بساحة التحرير.كانوا جموعا كبيرة،وكان اجمل ما فيها انك ما كنت تعرف ما اذا كان هذا شيعيا وذاك سنيا،وهذا مسلم وذاك مسيحيا.كان الجميع يرى في الجميع انهم عراقيون ،جاءوا يستعيدون وطنا منهوبا، وكنت أرى في هبتهم تلك..اشبه بفزعة أبناء قرية سمعوا ان امرأة من قريتهم نهبت فتوحدوا بغيرة لاستردادها من ناهبيها.
كان بينهم من هو حدثا وشيخا ، و(معقّل وأفندي) بين غالبية شباب ،وصبايا جميلات ،طالبات اعداديات وشابات جامعيات ،وامهات بينهن من جاءت بتنورها لتخبز ارغفة محمصة توزعها بالمجان واخرى توزع الشاي ومعها (تفضل يابعد روحي)..قالتها لي فحبست الدمعة بعيني وانا اقبلها على الجبين.
كان المشهد مدهشا مكتملا الا في امر واحد..ان هذه الجموع يوحدها الأنفعال ويعوزها قيادة تعرف كيف تخطط لتحقيق شعارها باستعادة اجمل وطن،فقررت ان اضمن محاضرتي دعوتهم الى ان يتوحدوا..فنصحني بلال وابوه صاحب خيمة جواد سليم و دار سطور أن لا اتطرق لموضوع (قيادة) لأنهم لا يوافقون وخشية ان يسمعوني كلاما لا يليق.
قدمني الناشط (صبري العقيلي) ..وكنا وقوفا، المتظاهرون وانا ،وبدات احدثهم عن وثبات شهدها العراق في الاربعينيات، واعدت الى الأذهان ان مطالبتكم اليوم بمحاسبة الفاسدين سبقكم اليها امثالكم في تظاهرات شباط ( 2011) طالبوا ايضا بمحاسبة الفاسدين، فارسلت (الخضراء) أحد (مناضليها) ليعطي الاوامر من على سطح العمارة المطلة على ساحة التحرير بقمع المتظاهرين ..فكيف تستجيب ورئيس الوزراء كان قد حماهم بمقولته (لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها). وواصل حمايتهم بتخدير بالوعود خلفه السيد حيدر العبادي الذي وعد بضربهم بيد من حديد وما فعل.ولأنهم كانوا قد هتفوا يومها ( باسم الدين باكونه الحراميه)..فأن الفاسدين أضمروا لهم العقاب بمزيد من الأهمال..ولكم ان تستعيدوا الآن ما جرى من التعامل الشرس والمهين مع المحتجين في انتفاضة تموز 2018..فاحذروا من طبقة سياسية استفردت بسلطة وثروة ومصابة بحول عقلي..فضحك احدهم وقال:ياريتهم بس حولان..دكتور ذوله حولان وثولان وغربان. وبعد ان اوضحت لهم ان مزاجهم الانفعالي هذا جميل ومشروع لكنه لا يحقق هدفكم في استرداد وطن وصلت الى قول ما كان الاحبة قد حذروني منه، بدعوتهم الى ان يتوحدوا بقيادة تمثلهم فكان الردّ منهم ..بالتصفيق!
وبدأنا محاولتين:الأولى ..لقاءات بعدد من تنسيقيات تشرين بهدف توحيد قيادة تحظى بموافقة الأغلبية، والثانية ..وساطة بين المتظاهرين والحكومة التقينا في حينها بالسيد مصطفى الكاظمي بدعوة منه كانت لها نتائج ايجابية موثقة في مقالات نشرتها المدى في حينه.
اهداف وثبة تشرين
تعددت اهداف التظاهرات بين: اسقاط الحكومة،محاسبة الفاسدين،تعيين الشباب في وظائف حكومية ،حل ازمة الكهرباء والماء،تحسين الخدمات والبنى التحتية،و (سحل الفاسدين في الشوارع)..
وواضح ان بين هذه الاهداف ما هو غير عقلاني او غير ممكن مثل اسقاط حكومة مشكّلة من برلمان منتخب ديمقراطيا،والدعوة الى انقلاب عسكري،وبعضها انفعالي مدفوع بما ورثناه من سيكولوجيا الانتقام.
واختلفت الآراء في وصف التظاهرات،اليكم نماذج منها:
شعب ناقم على احزاب خانته وغدرت به، حركات غير منظمة، متظاهرون تحركهم الغريزة، فوضى وراءها اهداف خارجية، مادام الشمال مستقر والغربية مستقرة فلن تجدي تظاهرات الجنوب نفعا ،كثير من اهل الجنوب يتأثرون بأي عمامة ولو صغيرة تحذرهم من بعبع البعث ،مطالب شباب مشروعة بدون قيادة واعية، إذا لم يوجد دعم دولي فهي مجرد غوغاء ،المظاهرات تحولت الى فرهود من غوغاء وسلاّبة وعصابات نهب وفوضى عارمة وتدمير ممتلكات ، كثير منها مخترقة من احزاب السلطة لتشويهها، لا تشكل المظاهرات السلمية اي خطر على السلطة ما دامت القوة والسلاح بيدها.واتفق غالبية المستجيبين على مشروعية التظاهرات مؤكدين على حاجتها الى قيادة واعية توحّد صفوفها.
وللأسف لم يحصل هذا فكانت النتيجة استقواء احزاب السلطة وانقسامات في قوى تشرين بين من هاجر خارج الوطن خوفا على حياته ، وبين من استمالتهم قوى محسوبة على السلطة و(اشترتهم)،وبين من ظلوا أوفياء لشعار انتفاضة تشرين في استرداد اجمل وطن..ويثبتوا في تظاهرة الجمعة ( 1تشرين/اكتوبر 2021 ) ان انتفاضة تشرين ستثبت.. ان الطغاة لابد زائلون.