علاء المفرجي
كان المخرج اوليفر ستون مولعاً بأفلام السيرة ولعل ذلك يبدو واضحا في (الثلاثية الفيتنامية) ، هذه الثلاثية التي تبدأ بفيلم (بلاتون) أو الفيصل، ثم فيلم (ولد في الرابع من تموز) انتهاء بفيلم (السماء والارض) حسب تسلسلها الزمني، فالافلام الثلاثة اعتمدت بشكل أو بآخر على السيرة الذاتية في صياغة موضوعاتها.
والسيرة هنا كما في كل افلامه تتأثر بموقف ستون من هذه التجربة .. وستون الذي دخل فيتنام مدرساً، قبل ان يلتحق كجندي يعيش الحرب بتفاصيلها ومأساتها .. دخلها متغنيا بالوطنية وخدمة امريكا، ليخرج منها بندوب سوف تلازمه طويلاً وتتجلى بصورة اوضح في ابداعه.
شكلت مأساة فيتنام وعي اوليفر ستون بمأساتها وآثارها السلبية، فكان أن تمثلها بغير زاوية نظر في افلامة الثلاثة هذه، خاصة مع فيلم بلاتون الذي اطلق شهرته الى الافاق وجعله مع الصف الاول من مخرجي السينما في امريكا، اضافة الى انه توج بسببه باوسكار المخرج الافضل، مع اربعة اوسكارات اخرى نالها الفيلم بينها الفيلم الافضل.
في (بلاتون) يروي لنا ستون تجربته هو نفسه مع الحرب عبر شخصية كريس تايلور الذي تجعله اهوال الحرب امام اسئلة (جدواها) ان كان لها جدوى، ومن خلال عين تايلور نذهب في تفاصيلها المكتظة بالمذابح والقتل العشوائي، واستباحة آدمية البشر، والتي سيكتشف فيما بعد - كما ستون – عبثيتها بل وغبائها.
حاول ستون – كما قال مرة – ان يقول في فيلم بلاتون كل ما عاشه هو شخصياً .. فليس غريباً ان يستهل المعارك من تجربته في القتال .. بل ذهب الى أكثر من ذلك عندما جسد شخصيات حقيقية ورسم مشاهد كان قد عاشها بشكل حقيقي في هذه الحرب.
في فيلم (ولد في الرابع من تموز) ستكون له زاوية نظر اخرى لهذه الحرب، وهذه المرة عن آثارها النفسية والاجتماعية المدمرة، من خلال تجربة (رون كونيك) التي يرويها في كتاب، وكونيك هذا مجند، يجد نفسه بلا فائدة بعد انتهاء الحرب خاصة بعد الاثر الذي تركته هذه الحرب في جسده .. الشعور بالاضطهاد والاهمال يخلق لديه ردة فعل ضد هذه الحرب وسيجابه بالملاحقة مما يضطره للهروب الى المكسيك، سيرة كونيك التي تعتني بها رؤية ستون الاخراجية هي سيرة جيل تركت الحرب آثارها عليه .. وهو بهذا الفيلم يستكمل سيرة جيل من خلال تجربته هو، وتجربة زميله في هذه الحرب رون كونيك.
ثلاثية ستون ستكتمل في فيلم آخر حمل عنوان (السماء والارض) المستوحى من سيرة امرأة فيتنامية هي «لي. هايسليب: التي وضعتها في كتاب حمل عنوان (عندما تبادلت السماء والارض مكانيهما) وهو عن سيرة هايسليب التي عاشت منذ طفولتها هذه الحرب وتعرضت للاغتصاب.
في فيلمه هذا ينتقل ستون الى الآخر الفيتنامي وهو يعيش مأساة الحرب حيث تروي هايسليب المعاناة التي عاشتها والاهوال التي تخطتها بمزيد من الخسائر..
ومع زاوية النظر هذه تكتمل صورة ستون عن حرب فيتنام، الصورة التي جهد ستون في ان تكون بمستوى استيعاب مثل هذا الحدث الذي كان علامة فارقة لا في التاريخ الامريكي حسب، بل في مسيرة القرن العشرين بمجمله.
يحرص ستون في ثلاثيته عن فيتنام ومن خلال السير التي ذكرناها آنفاً .. على اظهار موقفه هو من الحرب، ولاينفك في طرح الاسئلة عنها – أي عن الحرب - .. بل ان الثلاثية هذه تنتظم بشكل طبيعي ومنهج ستون ونمط تفكيره، ولاتبتعد كثيراً عن الرسائل التي بثها في اغلب افلامه.