علي حسين
هل شعر الساسة العراقيون بالاستغراب، وهم ييشاهدون الشعب الألماني لا يريد أن يطوي صفحة أنجيلا ميركل، لان المواطن الالماني يعتقد الجميع أن ميركل وحدها القادرة على تحمل بالمسؤولية وتقبل الآخرين وطرح المشاكل ومعالجتها بأكبر قدر من الوطنية؟.
منذ أيام تدور معركة على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، معركة بناء العراق واضيف لها استعادة هيبة الدولة وهي فصل من مسرحية شهيرة عشنا معها اسمها " السلاح بيد الدولة " ، والغريب أنه بعد 18 عاماً من الفشل يخرج علينا من يقول إن أمريكا لم تسمح لنا بتبليط الشوارع، وإن الماسونية كانت وراء تدهور الكهرباء.. وإن البعض يريد أن يكتب لنا سيناريو الجزء الثاني من فيلم الرسالة، مصراً على أن العراقيين "الكفرة" لم يسمحوا للمسؤولين "المؤمنين" ببناء البلاد وتقديم الخدمات.
يدرك المواطن جيداً أن السياسي العراقي لا يتذكر سوى نفسه ويضرب حوله سياجاً دائرياً من الحرس والعيون ولا يترك ثغرة في هذا الجدار الطائفي العازل لتدخل منها آراء الناس ومشاكلهم.. ولهذا نجدهم يدفعون الناس في كل يوم نحو وطن لا يحده سوى اليأس والخراب وصراع الطوائف! هل يدركون مدى اتساع الهوة بينهم وبين الناس؟.. بين من يملكون كل شيء والذين لم يعد لهم الحلم أو حتى الأمل؟.. قال ديغول لوزير ثقافته مالرو: "لا يمكن بناء وطن لا يؤمن أهله به ولا يثقون بغده، أو بغد أبنائهم".. وهذه الثقة لا يمنحها سوى سياسيين يحبون اوطانهم .
عندما يقرر البعض أن يبيح لنفسه اللعب على الحبال الطائفية، فان كلمة الوطنية تتحول إلى نوع من الضحك، لأن كل شيء يتحول إلى عبث وعجز.. وأتمنى ألّا يسخر مني البعض ويقول يا عزيزي صدّعت رؤوسنا بالحديث عن تجارب دول الشعوب وعن محبوبتك السيدة ميركل ، بينما نحن نعيش عبثاً من نوع لم يخطر على بال أبرز دعاة مسرح العبث، فعندما يخرج رئيس كتلة سياسية ليتحدث عن طائفة الوزير لا كفاءته، لأنه بحسب قوله "الطائفة هي الشعار الأول" ، كيف سيصدق الناس بكاءه على الديمقراطية عندما يغرد على تويتر: "إن الديمقراطية فشلت في العراق، لأنها اعتمدت الحزبية وأجهضت الإبداع فكانت النتيجة عراقاً ضعيفاً"؟ .
ولأن منطق الوطنية غائبٌ والعدالة مقتولة، صار كل شيء معكوساً، الطائفة أولاً ثم الوطن، فيما السياسي يُمعن في إساءة استخدام مواقع السلطة، لكي يبيع الوطن في بورصة المناصب .
نحن نعيش اليوم مع سياسيين يتوهمون أنهم أصحاب رسالة، ويعتقدون أن خلاص العراق يكمن في العودة إلى الوراء، سياسيون يعلنون عن وجودهم عبر إشاعة مفهوم الطائفة الضيق، بديلاً عن مفهوم المواطنة الذي يجتمع تحت خيمته كل العراقيين .