اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: المرأة التي أحبت العراق

باليت المدى: المرأة التي أحبت العراق

نشر في: 10 أكتوبر, 2021: 10:58 م

 ستار كاووش

حين يحقق رجل ما إنجازاً فريداً، يردد الناس مقولة (وراء كل رجل عظيم امرأة)، وهنا أتوقفُ أمام هذه الجملة الشهيرة وأحاولُ إستبدالها بكلمة واحدة فقط، كلمة أراها أنسب معنىً وأوفر عدلاً، وهي (الإيمان) هذه الكلمة السحرية التي تشير الى معاني عديدة تنطبق على الرجال والنساء على حد سواء. نعم، فالأيمان بالأشخاص المميزين هو الذي يخلق تطورهم، وخاصة حين يصحب هذا الإيمان تضحيات ومساعدات مادية ومعنوية وروحية، ليصل الانسان سواء كان رجلاً أم امرأة، الى ذروة الإبداع وخلاصة العبقرية.

ودَدتُ إن تكون هذه الكلمات، مدخلاً للحديث عن لورنا سليم، الفنانة البريطانية-العراقية، والتي رحلت قبل فترة قريبة، مخلفة ورائها مكانين ساهما في بناء شخصيتها وأهميتها وتأثيرها، وهما لندن وبغداد. هذه الفنانة التي ارتبطت بالعراق من خلال زواجها من أعظم نحات انجبه هذا البلد، وهو جواد سليم، حيث تركت لندن وذهبت معه الى بغداد، تركت كل شيء خلفها في لندن الجميلة، وجاءت الى بلد لا تعرفه، لكنها مع ذلك كانت مستعدة للتعلم ومعرفة عادات وثقافة هذا البلد لأنها إرتبطتْ بواحد من أجمل وأهم ابنائه. تركت لورنا بريطانيا العظمى وودعتْ بيتها واصدقائها، ثم بعد ذلك قللت الإهتمام بموهبتها وفنها، لتقف مع جواد في البيت وفي المشغل وهو ينجز أعماله. فقد حدستْ هذه المرأة المدهشة بأنها أمام لحظة تاريخية عظيمة، وشعرت بأنها تعيش أياماً ستكون جزءً من تاريخ العراق الابداعي والحضاري. وهكذا تماهت مع أجواء بغداد، حيث عائلة جواد وكذلك اصدقاءه جبرا إبراهيم جبرا وفائق حسن وعيسى حنا وغيرهم الكثير من الفنانين والشعراء والكتاب.

كانت لورنا على مفترق طرق، وهي الشابة الانجليزية الموهوبة التي درست الفن في مدرسة سيلد بلندن، فأما ان تبقى في مدينتها لتعيش ثقافتها وتكبر مع تطلعاتها في المكان الذي ولدت وترعرعت فيه، وأما أن تترك كل ذلك وتتبع قلبها وعاطفتها وإيمانها بمكانة جواد الفنية والثقافية، وفوق هذا حبها له، هذا الحب الذي كبر وشمل العراق كله. جاءت الى بغداد وقضت أجمل أيام عمرها صحبة جواد، الذي شاء القدر أن يرحل سريعاً، وبقيت هي وحيدة بعد وفاته الفاجعة، لتقرر أن تصحب إبنتيهما وتعود الى لندن حاملة معها حب جواد والعراق. لكن رغم الدور الريادي الذي قامت به لورنا، فهي لم تحصل سوى على إشارات بسيطة وتبدو عابرة هنا وهناك رغم أهمية سنواتها صحبة جواد. ولو أخذنا مبدعة أخرى ووضعناها في مرآة لورنا، لعرفنا كيف إننا لم نضع صورة هذه الأخيرة في المكانة التي تليق بها. ألم تعش -على سبيل المثال- زها حديد العراقية في بريطانيا، وكان البريطانيون يفخرون بها كل الوقت ويقولون بأنها جزء مهم من بلدهم وإيقونة إنجليزية للابداع. تُرى لِمَ لَمْ نفعل ولو جزء صغير من ذلك مع لورنا الانجليزية التي تجنست بالجنسية العراقية وعاشت بيننا؟ لا أريد القول بأننا كان يجب أن نضعها في مكانة زها، مع أني أراها قد تكبدت مشقة عالية، مقارنة بالسهولة التي عاشت فيها المعمارية الشهيرة، لأن لورنا كانت تعرف صعوبة أن تتطور موهبتها وتقنياتها في العراق بذلك الوقت البعيد، كذلك لم تتردد بسبب عناء العيش والتغيير الذي سيحصل لها، لم تثنها العادات والتقاليد المختلفة، ولم تقف اللغة الأخرى عائقاً أمام مجيئها الواثق الى العراق. هكذا حسمت أمرها وجائت الى بلدنا وعاشت كأنها بين اهلها، وقد أحبها العراقيون كثيراً.

عاشت لورنا في الظل كي تمنح الضوء لموهبة جواد، ورغم قلة نشاطها الفني، لكنها أنجزت أعمالاً جميلة وقامت بتدريس الرسم في قسم الهندسة المعمارية بجامعة بغداد. جابت شوارع العاصمة، وتبرعمت مثل زهرة رازقي عراقية وسط بستان النهضة الثقافية في الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي.

ذهبتْ لورنا بعيداً وبقيت ذكراها بين دفاتر العراق وجمال أعمال جواد، رحلت لورنا دون أن تحصل على المكانة التي تليق بها، وعسى أن نلتفت رمزياً الى هذه المرأة التي أشرَفَتْ بنفسها على تثبيت وتعليق نصب الحرية عند وفاة جواد. شخصياً سأظل أحلم بيوم نضع فيه إسمها على جادة أو ملمح أو حتى شارع صغير، في المنطقة المحيطة بنصب الحرية، ليبقى إسمها قريباً من جواد، وسط بغداد التي أحبتها. أقول ذلك لأني مؤمن أن لورنا لها حق كبير علينا… لورنا لها حق على العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram