يرى أنه ليس هناك أيديولوجية تمكنت من نشب مخالبها في وعي الإنسان كما فعلت الأيديولوجية الدينية
حاوره: علاء المفرجي
القسم الاول
الدكتور فالح مهدي باحث متميز وأستاذ جامعي و وروائي وقاص مبدع..مفكر عقلاني وباحث تنويري، ولج في أعماق الديانات وأفكارها،
بحث فيها لسنوات قبل أن يثمر جهده هذا عن كتاب مهم صدر أول مرة في عام 1981 في بيروت، بعنوان “البحث عن منقذ: دراسة مقارنة بين ثمان ديانات”. وهو الكتاب الذي اعتبر حدثا في الوسط المعرفي، فقد طبع مرات عدة بل استنسخ من كثير من القراء، وما زال تداوله مستمراً وعلى نطاق واسع.
ولد د. فالح مهدي عام 1947 في بغداد، ودرس فيها الابتدائية والإعدادية. ودخل كلية القانون وتخرج منها عام 1970. وبين 1970-1973 عمل محامياً، ولم (يألف هذه المهنة)، كما يؤكد ذلك. وفي الفترة ذاتها أبدى اهتماماً خاصاً بموضوع الدين، لدوره في حياة الناس عموماً، والعراق منذ القدم خصوصاً.
غادر العراق عام 1973 إلى الهند للدراسة في جامعة بونا، وحاز على درجة الماجستير في العلوم السياسية ودبلوم في القانون الدولي في عام 1976. ثم عاد إلى العراق ليغادره في عام 1978 إلى فرنسا، وأكمل هناك دراسة القانون في جامعة باريس ونال شهادة الدكتوراه عام 1987 وكان موضوع أطروحته “أسس وآليات الدولة في الإسلام: العراق نموذجاً» ثم مارس التدريس في في الجامعة التي تخرج منها، و انتقل بعدها للتدريس في جامعة فيرساي لتدريس نفس المادة إضافة إلى مادة القانون الدستوري الفرنسي إلى عام 2003. وهو أستاذ القانون الدولي في جامعة السوربون.
صدر له في مجال البحث في الظاهرة الدينية، اضافة الى كتاب (البحث عن منقذ) كتاب “صلوات الإنسان: من سومر إلى الإسلام” عام 2011. وكتاب “الخضوع السني والإحباط الشيعي: نقد العقل الدائري” عام 2015، وكتاب “جذور الإله الواحد: نقد الإيديولوجية الدينية” عام 2017. وكتاب “تاريخ الخوف: نقد المشاعر في الحيز الدائري”، و “تاريخ الجنة: نقد مشاعر التفاؤل في الحيز الدائري”، وكتاب “مقالة في السفالة”
ولم يبعده البحث العلمي عن الأدب، ففي مجال الرواية والقصة. فقد صدرت للدكتور . فالح مهدي روايته الأولى بعنوان “أزهار المستنقع” عام 1982، ثم صدرت له عام 1992 مجموعته القصصية الأولى بعنوان “الصلوات تغتال الصمت” عن دار المدى. وفي ورواية “أصدقائي الكلاب” عام 1995 والتي صدرت له في باريس باللغة الفرنسية وترجمت الى عدة لغات ثم نشرت مرة أخرى في منشورات الجيب عام 2002 للطلب الكبير عليها. ورواية أخرى باللغة الفرنسية بعنوان “صلوات الدم” العام 2002 ثم رواية أخرى باللغة الفرنسية بعنوان “لم يرني الله” في عام 2011. كما صدرت له روايتان إحداهما بعنوان “هجرة النور” ورواية “الثوبان”. وىخر ما صدر له مجموعة قصصية بالفرنسية بعنوان “معانقة أزهار الجحيم”.
المدى حاورت الدكتور فالح مهدي للوقوقف عند أهم محطاته الحياتية والأبداعية.
حدثنا عن نشأتك وما هي مصادر التأثير التي قادتك الى تخصصك هذا؟
- لم تٌنبأ تلك النشأة البسيطة بالمآل الذي ستقودني اليه الأيام والسنين القادمة . فقد ولدت في عام 1947 من أب هاجر مع كل أفراد عائلته من قرية عنانة في محافظة بابل ومن أم ولدت في بغداد بيد ان جذورها تمتد الى غرب العراق. عندما كنا صغاراً لم نفكر في جذور الأباء ،مع الزمن ومع الويلات التي مر بها العراق وأصابت كل العراقيين بدرجات متفاوتة، أصبحت مهمة البحث عن الجذور يتطلب قدر من الفضول العلمي. ولدت في حي راغبة خاتون وكان الحي إبان تلك الأيام تسكنه غالبية سنية لكننا والحق يقال لم نشعر أنا وإخوتي وأخواتي اننا من عائلة شيعية بل اختارني مدرس اللغة العربية أستاذي الأول عمر الراوي لأصلي برفاقي في جامع العساف المجاور لمدرستنا ( مدرسة الخزاعية)أي أصبحت إماما في ذلك العمر الصغير حيث لم يتجاوز عمري تسع سنوات! عندما أعلمت والدي بذلك ابتسم وقال لي سأشتري لك عمامة! في الصغر لم تفرض علينا أية التزامات دينية ، مع ذلك ّكنت الوحيد بين إخوتي من يصلي ويصوم . في سن المراهقة توقفت عن الصلاة والصيام دون ان يوبخني او ينتقدني والديّ. درسنا لاحقا انا واخوتي في ثانوية الأعظمية.
كمعظم العراقيين لم أنشئ في عائلة مولعة بالثقافة، فوالدتي امرأة أُمية ووالدي ومع انه خريج مدرسة الشرطة واصبح ضابطا في الشرطة لكنه كان بعيد عن عالم القراءة والكتابة. من دفعني وشجعني على القراءة كان أستاذي الطيب الذكر عمر الراوي . فقد وجد في الإنشاء الذي كنت اكتبه ما يستحق التشجيع فأهداني كتاب العبرات لمصطفى لطفي المنفلوطي. تلك الهدية وذلك الكتاب كانت الجرثومة التي دخلت في أعماق نفسي ولم تفارقني أبدا فبدأت باقتناء كل كتب المنفلوطي وهكذا كانت البداية، فقد وجد والدي في مسعاي ذاك أمرا لم يعرفه ولكنه يقدره فلم يبخل عليّ بشراء الكتب.
في مرحلة ما بعد الإعدادية كان والدي يطمح ان يخلق مني ضابطاً في الجيش العراقي. ادرك نفوري من هذا الصنف من الأعمال، فقاد خطاي الى دراسة القانون. وحتى أكون أمينا كنت احس بالملل والضجر من الدروس الجامعية فتغيبت كثيرا عن تلك الدروس . لم اجد متعة إلا وانا ادرس لوحدي في مقاهي بغداد مع زملاء لي وكنت حرا في الذهاب للسينا وقراءة كتب أخرى لا سيما في مجال الأدب.
بعد تخرجي من الجامعة عملت محامي في مكتب لمحامي شهير صديق لوالدي وكان مكتبه في الاعظيمة .شعرت بالملل والضجر من تلك المهنة ومع اني عملت محامي وكان لي مكتب في شارع المتنبي انما لم تغويني تلك المهنة فكنت اقضي معظم وقتي في المكتبة المركزية في الوزيرية . في تلك الأيام قرأت كثيراً عن القرامطة وكانت اطمح ان اكتب بحثا عن تلك الحركة المتطرفة دون ان امتلك شيئا من أمور البحث والمنهجية الخ، فبادرت لوحدي وذهبت لكلية الآداب المجاورة للمكتبة المركزية وطرقت باب الدكتور فيصل السامر وطلبت منه مساعدتي لإنجاز بحثي عن القرامطة . ابتسم ذلك الرجل النبيل والمؤرخ الكبير ودعاني للجلوس، ومن ثم سألني لم القرامطة؟ أتعلم ان البحوث عن القرامطة كثيرة؟ لماذا لا تتناول موضوعا جديداً لم يكتب عنه إلا لماماً؟ وبدافع الفضول سألته وما هو هذا الموضوع ؟ فبادرني بذلك الهدوء والاتزان الذي يذكرك بالبصرة (المهدي المنتظر في الأديان) ! لم أتمكن من إخفاء عجبي وجهلي فقلت له (دكتور أنا لا اعرف شيئاً حتى عن المهدي الشيعي). فكان جوابه على النحو التالي ( هذه فرصة لتعرف شيئاً لا عن المهدي الشيعي، بل عن كل أصناف المهدي في ديانات العالم). بعدها كتب رقم تليفونه على ورقة وقال لي «اتصل بي الأسبوع القادم، سأطلب من احد الزملاء المختصين في العالم القديم، ان يقود خطاك». وهكذا كان السامر أول من رمى تلك الحبة الممعنة في الصغر في حقلي الخالي من الزرع، فنمت وأزهرت حتى أصبح موضوع الدين المقارن الثيمة الأساسية التي رافقت مسيرتي كباحث.
دراستك في البداية كانت القانون، أي صلة لها في تغيير مسار اهتمامك فيما بعد؟
- في البداية لم يدخل القانون تأثيراً على الموضوع الأثير لدي، أي قراءة الدين. دروس القانون مملة ولا سيما القانون المدني. دخلت قسم القانون لا لتحقيق طموحاً لدي بل احتراما لأراده والدي. بدأ تأثير القانون على مسيرتي العلمية في فرنسا. فكانت أطروحتي لنيل الدكتوراة من جامعة باريس الغربية ( نانتير) بعنوان ( أسس وآليات الدولة في الإسلام : العراق نموذجاً) ، كانت تلك الاطروحة اعظم ما قمت به في مسيرتي الأكاديمية ، حيث تمكنت من الربط بين الديانات في العراق القديم وبين الإسلام. تلك الأطروحة دفعتني ليس لقراءة قانون حمورابي الشهير بل كل القوانين التي وجدت قبله وكلها تقريبا سومرية، أضافة الى كل الطقوس الدينية والأساطير في العراق القديم فوجدت ان هناك علاقة بين الإسلام وذلك العالم الممعن في القدم.
مالذي اضافت لك تجربتك في الهند، لمشروعك الفكري الذي مازال يتدفق؟
- لم تضف لي دراستي في الهند شيئا مهماً، اذ كانت على شكل كورسات لنيل الماجستير في القانون والسياسة . تجربتي في الهند علمتني اللغة الإنكليزية، فقد كانت لغتي الانكليزية ضعيفة حقاً عندما ذهبت الى هناك، الدروس باللغة الإنكليزية والتعرف على أسماء من كبار المفكرين في مجال القانون والسياسة في عالم الانكلوسكسون، أضافت لي الكثير. في نفس الوقت المعايشة اليومية مع أصدقائي وزملائي الهنود كانت في غاية الأهمية، إذ تمكنت من زيارة المعابد الهندية وحضور ندوات لكبار رجال الدين من الهندوس والبوذيين. الغنى الحقيقي ليس في حضور الدروس، أنا شخصياً أعاني من رهاب يتمثل بكره ورفض المؤسسات الأكاديمية مع اني اكاديمي . من علمني ليست الدراسات الأكاديمية بل ما قراته أنا خارج تلك المؤسسات.
قلت في احد اللقاءات معك: منذ فترة الشباب تنبهت للدين بفضل الماركسية، كيف حصل ذلك؟
- منذ فترة المراهقة كنت ميالاً الى الأفكار الماركسية. كنت اقرأ ما يقع بين يدي من كتب إضافة الى ان معظم أصدقائي كانوا شيوعيين أو متعاطفين مع الأفكار الشيوعية. قول ماركس العظيم « الدين افيون الشعوب» الذي زارني في شبابي لم يفارقني أبدا. هذه العبارة العميقة أصبحت بابا ولج منه عدد كبير من الباحثين والمفكرين. عند التأمل في تأثير الدين في سلوكيات الناس وطرائق تعاملها مع الذات ومع الآخر المختلف، نجد قيمة وأهمية هذا القول .
( البحث عن منقذ) هو كتابك الاول وكان محاولة بسيطة لدراسة جانب من جوانب الفكر الديني، وهو دراسة مقارنة بين ثمان ديانات تتحدث عن مفهوم المهدي المنتظر او المخلص، وهذا موجود في كل الديانات وكل شعوب العالم تعتقد ان الله سيبعث أحد المنتخبين المخلصين لإنقاذ هذا العالم.. هل الكتاب فتح لك افاقا في اشتغالك على الظاهرة الدينية ، وماذا يمثل هذا الكتاب في سيرتك الابداعية؟
- كما تفضلت يمثل ذلك الكتاب أول محاولة وهي بسيطة بطبيعتها بسبب صغر سني وتطفلي على موضوع لا اعرف عنه شيئاً كما ذكرت في الإجابة على سؤالكم الأول.
ومع اني كتبت عدد من الدراسات في المجال القانوني والسياسي انما الثيمة الأساسية التي قادت خطاي تمثلت بذلك الكتاب الذي فتح لي آفاقا واسعة.
في ذلك الكتاب الذي مضى على تأليفه ما يقارب نصف قرن! كتبت في مقدمة ذلك الكتاب الذي يمثل محاولة لدراسة جانب من جوانب الفكر الديني هذه الجملة» الشعب الذي تزداد درجة وعيه بنفسه وبظروفه الموضوعية يستطيع ان يدرك جيداً انه اعظم منقذ لنفسه . أما الشعب الجاهل فينتظر النصر من الخارج»
مع اعتزازي بتلك العبارة، إنما أدركت لاحقاً ان الحيز الدائري الذي ولدت فيه كل الأديان هو من ينتج الجهل ويقيم أيديولوجية تستند على جهل الأغلبية من المؤمنين بتلك الأيديولوجية.
هل تحدثنا بإختصار عن مفهوم (العقل الدائري)، ونقد هذا المفهوم الذي لم سيبقك اليه أحد وعن دور المكان في تشكيل العقل والتفكير؟
- على ضوء قراءتي في تاريخ القوانين في العالم القديم توصلت الى بعض القناعات في السنوات الأولى من وجودي في فرنسا. في عصر الصيد والذي استمر حتى العصر الراهن. في بعض المناطق في افريقيا وعند جماعة النوير بالذات، يثقب فخذ من يمارس الجنس مع امرأة ليست من أملاكه! في الإسلام تقطع يد السارق الخ كما تلاحظ هناك قدر من الاعتباطية، فقطع فخذ صياد يعني موته لأن عمله قائم على الركض من اجل إصطياد الحيوانات كما ان قطع يد السارق تعني قتل السارق أيضا. اليد وسيلته الأولى لكسب عيشه. على ضوء تلك القراءات تمكنت من نشر دراسة باللغة الفرنسية ومن ثم قدمت محاضرة عن الاعتباط القانوني في المدرسة التطبيقية العليا حيث دعاني احد كبار الباحثين في الانثربولوجيا جورج فيكارلو الى تلك المحاضرة . ومن ثم القيت ندوة في هولندا في عام 2002 عن نفس الموضوع بدعوة من الصديق ياسين النصير. الغريب ان قراءتي لطبيعة القوانين في العالم هي من دفعتني لقراءة المكان أولا. العالم القديم وحتى نهاية القرن السابع عشر بل الثامن عشر في اوربا كان عالم أسوار أولا، فكل مدينة محاطة بأسوار عالية ولا زالت أثارها باقية في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا الخ .
من خلال القراءة توصلت الى قناعة مفادها لا يمكن فهم طبيعة المكان دون فهم طبيعة الزمان. كل تلك القراءات قادتني الى قناعات من أهمها عمودية السلطة. السلطات في العالم القديم تستمد شرعيتها من السماء فكل الملوك والأباطرة في ذلك العالم هم أبناء للإلهة أو إلهة او يستمدون شرعيتهم من وسيط مقدس كالنبي محمد..
في البداية كل جهودي تركزت على الاعتباط القانوني في العالم القديم وكتب جزءا من ذلك المشروع . وبمرور الزمن تراجع كثيرا ذلك المشروع. فقد نضجت أفكاري وتوجت بكتابي (نقد العقل الدائري) الذي يمثل منهجي في البحث والدراسة فيما يتعلق بالدين المقارن.
تقول إن الغرض من هذا الكتاب ليس دراسة الإسلام «كدين وسلوك وسياسة « أنما الغرض هو معرفة «أسباب تخلف الشعوب التي تقطنها غالبية مسلمة «.. هل توسع حديثك في ذلك؟
- لا نحتاج الى ذكاء خارق لنكتشف ان الغالبية العظمى من الشعوب التي تؤمن بالإسلام شعوب متخلفة. عندما نتأمل نجد ان الوعي التاريخي مرتبط بالوعي الديني. ليس هناك من قوة أيديولوجية تحكمت بمصائر وسلوكيات الجماعات والأفراد كالدين. هناك ارتباط مثير للعجب بين الوعي التاريخي والوعي الديني وهناك علاقة حميمية بين الاثنين. المجتمعات في الغرب تمكنت من التحكم بالوعي الديني والذي هو بطبيعته قائم على قدر كبير من الزيف والأكاذيب. الحيز الأفقي في العالم المعاصر وانتقال الشرعية من السماء الى الأرض، واقتصاد قائم على الصناعة والزراعة وهو الاقتصاد الذي أخذت به الرأسمالية ،سمح بإعادة مفاهيم تقسيم العمل وسمح بقيام تنظيمات اجتماعية لم تعرفها البشرية سابقاً وأصبحت « الذات» كمفهوم من اهم مفاهيم العالم المعاصر .
ما ساعدني على الفهم عن العلاقة بين التخلف والعقل الدائري، وجودي في بلد مثل فرنسا. لقد جئت من ذلك العالم الدائري وأصبحت أعيش في عالم أفقي ونسبي في مفاهيمه. ليست القراءة وحدها من قادني لذلك، بل المعايشة. في المجتمع الذي قدمت منه، أنت ملك العائلة والعشيرة. اما اذا ولدت كأمرأة فإنها اللعنة بعينها. باسم الله ونبيه يتم اغتصاب طفلة لم تتجاوز الثمان سنين ، وبأسم الله ورسوله تم سنن تشريعات على شكل فتاوي بعيدة عن أي حس أخلاقي . عندما تنظر الى ما يجري في العراق مثلاً تجد ضالتك. العراق ليس وحيداً في تخلفه، بل كل العالم الإسلامي لم يخرج من مستنقع مفاهيم القرن الثالث والرابع الهجريين. ليس نقد زواج المتعة، أو الزواج من أربعة نساء هو المهم، بل نقد النظام الأيديولوجي الذي أتى بتلك المفاهيم السافلة التي تحط من قدر الإنسان. في الإسلام على سبيل المثال رجال الدين طفيليين، سنياً يستلمون رواتبهم من ولي الأمر ! عن الشيعة تم اللجوء الى الخمس وهو ريع طفيلي بطبيعته.
أختصر ماركس في نقده لفلسفة الحق عند هيغل، أهمية نقد الدين بهذه العبارة التي لا تعادلها اية عبارة « نقد الدين أساس كل نقد»!
ومع مرور اكثر من قرن على تلك العبارة، بقت تلك الكلمات نيّرة .ليست هناك من عبارة في هذا المجال اكثر صدقاً من هذه العبارة.
نقد الدين يتمثل بالكشف عن أسباب وجوده، على آليات فعله ،على وسائله في التحكم بالدهماء والغوغاء الخ
في (البحث عن جذور الاله الواحد ) محاولة لفهم الظاهرة الدينية وما تضمنته من أوهام، ومخيلة فذّة تمكنت من نسج قصص وحكايات تتعلق بخلق الكون.. ألا تعتقد ان محاولتك هذه تدخل في مجال كسر التابوهات؟
- نعم، هذا ما أصبو اليه من خلال كل بحوثي وهنا اعني حتى تلك الدراسة البسيطة (البحث عن منقذ). كسر التابوهات لا يمكن له ان يستقيم دون نقد الدين على النحو الذي أوردته في جوابي عن السؤال السابق.
ليس هناك من أيديولوجية تمكنت من نشب مخالبها في وعي الإنسان وتلاعبت به كما فعلت الأيديولوجية الدينية. ومن هنا أتى ذلك الترابط بين الوعي التاريخي والوعي الديني.
ألم تجد خلال عملك بمشروعك هذا وعلى مدى اكثر من أربعة عقود، تصورا لما ستؤول اليه المجتمعات الإسلامية؟
- انا غير متفائل في اللحظة الراهنة، لا يمكن لأي كان ان يتنبأ بمسيرة التاريخ وما ستؤول اليه الأمور مستقبلاً . مع ذلك يمكننا القول ان المجتمعات ذات الغالبية المسلمة، نجد فيها علامات تخلف وتردي انما هي تختلف من مجتمع الى آخر . لو توقفت امام تونس فستجد ان هناك مجتمع مدني وان الثقافة والتعليم قطعت شوطاً بعيداً، كما ان هناك مجتمع مدني لا يقل أهمية عن تونس واقصد بذلك المغرب. في حين هناك مجتمعات تراجعت بشكل خطير كالعراق وسوريا بل حتى لبنان. عندما تتأمل في المثل العراقي مرة أخرى تجد ان تلك الرثاثة الدينية أعربت عن نفسها وبكل وقاحة ودون رادع من شخصيات دينية تحمل تلك الألقاب كآية الله والخ . لقد وصلني فيديو لرجل دين شيعي يقول فيه « ان الله لا يبكي، لذا خلقنا لكي نبكي على الحسين»! أو ان الله خلق نور فاطمة قبل ان يخلق الله آدم ب4000 سنة ! هذا الكلام البعيد عن كل منطق ورد في كتاب الكليني الذي يطلقون عليه « ثقة الإسلام»!
لقد دخلت بالتفاصيل التي ابذل جهدا لتجنبها. لا يمكنك تجنبها بطبيعة الحال، عندما تريد ان تلقي ضوءا على مجتمع يعاني من أمراض مزمنة.
وحتى أختصر أقول ان الطريق لا زال طويلاً إنما ألف خطوة تبدأ بأول خطوة ونقد الدين وكل هذه البنى المتهرئة يدخل في مفهوم الخطوة الأولى.