حازم مبيضينالقرار العجيب الصادر في مصر، والمتعلق بإسقاط الجنسية عن المصريين المتزوجين بإسرائيليات، ويطول حتى أولادهم منهن، يثير الكثير من علامات التعجب والاستفهام حول قضايا أساسية تتعلق بالحرية الشخصية، مثلما تتعلق بمن يمتلك الحق في تجريد مواطن من جنسيته، وبالأسباب التي تساق لتبرير ذلك،
وهو بالفعل أثار نقاشات قانونية حول الجهة صاحبة الاختصاص، وهو قرار سياسي بامتياز خاصة ونحن نستمع للمستشار محمد الحسيني رئيس المحكمة الإدارية العليا الذي أصدر هذا القرار، وهو يؤكد أن "التاريخ له دلالة" في إشارة إلى أنه يوافق ذكرى حرب حزيران 1967 التي احتلت إسرائيل فيها الجولان والضفة الغربية وغزة وسيناء.ويحق لنا السؤال عن ذنب الأبناء الموجب لإسقاط جنسيتهم، ما دام أنهم لم يستشاروا في أمر زواج آبائهم، وليس لهم يد في ذلك، وقبل ذلك نسأل عن ذنب الآباء الذين اقترنوا بمواطنات من دولة بينها وبين مصر معاهدة سلام، وهن إما عربيات فلسطينيات مسلمات أو مسيحيات، أجبرتهن الظروف على حمل الجنسية الإسرائيلية، أو يهوديات كتابيات لم يمنع الدين الإسلامي الزواج بهن حتى وإن احتفظن بديانتهن، ونسأل عن ذنب هؤلاء النسوة اللواتي لم يخترن جنسيتهن ولا ديانتهن وكل ما اقترفنه أنهن اخترن بوعي كامل شركاء حياتهن، وهن يعرفن اختلاف القومية والجنسية والدين، ويتجاوزن ذلك بحثاً عن حياة كريمة آمنة.معظم المصريين المتزوجين من حاملات الجنسية الإسرائيلية ويزيد عددهم عن الثلاثين ألفاً هم من العائدين من العراق بعد غزو الكويت عام 1990، وقد ذهبوا إلى إسرائيل بحثاً عن عمل، واستقروا هناك وتزوجوا من إسرائيليات، ويعني ذلك بمنتهى البساطة أنهم لم يذهبوا للدولة العبرية مدججين بالنظريات السياسية، وإنما بحثاً عن لقمة العيش التي عزت عليهم في وطنهم، ومع ذلك نجد من بين المصريين القومجيين من يعتبر هذا الحكم تاريخياً وانتصاراً جديداً للعدالة المصرية، والمؤكد أن مطلق هذا التصريح يفتقر إلى أي مشاعر إنسانية، ويقدم عليها خطاباً منغلقاً ومفعماً بكل ما تحتويه العنصرية من بشاعات.لا ندافع عن المصريين المتزوجين من حاملات الجنسية الإسرائيلية، لكننا نسأل كيف يتعامل المؤيدون لهذا القرار مع الفلسطينيين الذين تمسكوا بأرضهم وظلوا فيها، وهم يحملون اليوم مضطرين الجنسية الإسرائيلية، وكيف ينظر هؤلاء المنغلقون على مفاهيم عفا عليها التاريخ إلى محمود درويش وسميح القاسم وأميل حبيبي، وإلى النواب العرب في الكنيست أحمد الطيبي وحنين الزعبي، وإلى مئات آلاف العرب الذين يواجهون الغطرسة والعنصرية والصلف يومياً وهم يصارعون يمينيي قيادات الحركة الصهيونية، ونسألهم أولاً وأخيراً هل اختاروا هم أنفسهم الجنسية التي يحملونها؟ سيتهم البعض سلفاً حاملات الجنسية الإسرائيلية المتزوجات من مصريين بأنهن جاسوسات للموساد، وأنهن يسعين للكشف عن الأسرار الحربية العربية، وكأن هناك أسراراً حربية عربية، وكأن الموساد ستجند ثلاثين ألف امرأة ليتزوجن من عمال مصريين لكشف الاسرار العربية ولتخريب المجتمع العربي، وكأن المجتمع الإسرائيلي يخلو من عزباوات مستعدات للزواج بأول من يطرق الباب بحثاً عن متعة الاستقرار، وتنفيذاً للناموس الطبيعي في بناء عائلة ضماناً لاستمرار النوع البشري، وكأن أجهزة الاستخبار الإسرائيلية عاجزة عن اختراق الحصون الأكثر منعة وسرية في عالمنا العربي، وكأن الاستخبار وجمع المعلومات في عصر الاقمار الصناعية ما زال على بدائية الركون إلى امرأة تتزوج من عامل لانجاز خروقات استخبارية لا تتجاوز عقول منتقدي ورافضي مثل هذه الزيجات.
كلمة وفاء: أبناء المصريين من إسرائيليات
نشر في: 9 يونيو, 2010: 05:20 م