علي حسين
تبدو الفضائيات العراقية هذه الأيام وكأنها ساحة تدور فيها دوائر الحروب.. لاشيء سوى أخبارتزوير الانتخابات، وغضب الخاسرين.. والأهم القلق الذي يساور البسطاء على مصير هذه البلاد.. وعندما نقرأ تصريحاً لسياسي نزداد خوفاً إذا ما قررنا أن نتوقف عنده أو نصدقه..
لا أحد يدري إلى متى سيستمر الحال بحرب داحس والغبراء بين كتل المحاصصة الطائفية، فهم بعد أن وعدوا الشعب قبل الانتخابات بأن يسرعوا في التنمية والبناء وإقامة دولة المواطنة، نجدهم بعد الانتخابات يصرون على أنهم أصحاب الحقيقة المطلقة.. وإذا حاولنا أن ننفض عن أنفسنا رتابة الكلام السياسي الممل الذي نسمعه ونقرأه كل يوم، يقلقنا أن البلاد لاتزال تبحث عن رجال حكماء يقودونها إلى ضفة الأمان والطمأنينة.
عام 1969، اقترع الفرنسيون على الدستور الذي اقترحه ديغول. وحين أُعلنت النتائج التي تُظهر أن 52% من المواطنين صوتوا ضده.. نجد صباح اليوم التالي صحف فرنسا تنشر على صفحاتها الأولى الخبر التالي: ديغول يقدم استقالته وبيان من سطر واحد "اعتباراً من اليوم سأتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للدولة". كان ديغول، الذي شعر بالأسى، قد أنقذ فرنسا في حربين عالميتين.. وجعل منها خلال فترة حكمه واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى.. ومع ذلك استجاب ومضى إلى منزله الريفي وظل هناك حتى توفي.
زعامات ساطعة في التاريخ استطاعت بفضل نزاهتها وحكمتها وإصرارها على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن تُحدث أكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم، وحين يطمئن مسؤول منهم إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح، ينفض يديه من السلطة ويقرر أن يحتكم لصوت الضمير والناس .
بلد الأربعين عجيبة وعجيبة.. خاض معركة الانتخابات فيه مئات المرشحين لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي.. وجه آخر وقبيح في ديمقراطية المحاصصة الطائفية، أن تصبح أبواب المناصب والمنافع مفتوحة للتهافت والتكالب والسعي لإلغاء الآخر.. وجعل السياسة سوقاً للشعارات التي تجعل من المسؤول مبعوث العناية الإلهية لهذا الشعب لكي يسير به إلى طريق الهداية والإيمان.. لم تعد السياسة في الأمم المتحضرة مباراة للبطولة وحشد الطوائف.. لكنها عصر الشعوب التي قررت أن ترمي التعصب والتخلف وراء ظهرها.. دائماً ما أذكر القارئ بحكاية الهندية صوفيا غاندي التي فازت قبل سنوات باكثرية أصوات الهنود الذين اقترعوا لها.. وحين وجدت أن الأقلية السياسية ترفض توليها منصب رئاسة الحكومة.. لم تخرج على الناس بخطاب ثوري.. ولم تعد العدة لمظاهرات انتقامية.. لم تفعل سوى أن قالت إنها لن تكون محنة للبلاد، وبكلمات مؤثرة خاطبت الملايين التي انتخبتها: لا أريد أن أكون فتنة.. ولن أقبل أن أكون رئيسة للوزراء بالأكثرية الساحقة فقط.. أريدها بالإجماع الجميل".
جميع التعليقات 2
سمراء
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياء لمن تنادي وأصلها : لاحياة
موفق فيينا
احسنت. سونيا غاندي تعلمت الحكمة من الأرث الكبير للهند فيا ترى ممن سيتعلم العراقيون اصول الديمقراطية ؟