TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > تولستوي.. بحر من التناقضات

تولستوي.. بحر من التناقضات

نشر في: 11 يونيو, 2010: 04:28 م

ترجمة الكتاب: كاثي بورتر ترجمة العرض: هاجر العاني قراءة يومياتي تضحكني، يالها من تناقضات كثيرة – كما لو أنني كنت أشقى امرأة! ولكن مـَـن استطاع ان يكون أسعد؟ هل تمكن اي زواج ان يكون أسعد وأكثر انسجاماً من زواجنا؟ وعندما اكون وحيدة في غرفتي احياناً أضحك بسبب البهجة واقاوم نفسي وأتضرع الى الله طلباً لسنوات كثيرة من السعادة، وأكتب يومياتي دائماً عندما نتشاجر"....
 كتبت (صوفيا تولستوي) الأسطر أعلاه عام 1868 عقب ست سنوات من الزواج، و تبدو الكثير من تدوينات يومياتها المتأخرة ايضاً انها قد تمت كتابتها بعد الشجارات.هذه التوليفة من تدوينات يوميات (صوفيا) تمثل شاهداً ليس على أفكارها وحسب بل على الأحداث العامة وعمل (ليو تولستوي) أيضا – في الفترة التي تغطيها التوليفة كتب (ليو تولستوي) روايتي (الحرب والسلام) و(آنا كارنينا) والعديد من الأعمال الأخرى – وفي الوقت ذاته نرى عمل (صوفيا) الشاق فهي ام منهمكة في عملها على الرغم من وجود مربيات وكل أنواع العون، وهي تنسخ وتنسخ مراراً عمل زوجها الأدبي "لــم لست سعيدة؟ هل الذنب ذنبي؟ انا اعرف كل أسباب معاناتي الروحية. اولاً مما يحزنني ان أطفالي ليسوا سعداء بالقدر الذي كنت أتمناه ومن ثم أنا في الواقع أشعر بوطأة الوحدة الى حد كبير، فزوجي ليس بصديقي اذ كان عاشقي مشبوب العاطفة من حين لآخر لاسيما فيما هو يتقدم في السن الا إنني طوال حياتي أحسست بالوحشة معه، فهو لا يخرج معي في نزهات سيراً على الأقدام بل يفضـِّـل التأمل في عزلة منكباً على مؤلفاته، ولم يول يوماً اهتماماً بأطفالي حيث يجد ذلك امرأ عسيراً ومملاً". وتتوق (صوفيا) الى مناظر طبيعية جديدة وتطور فكري وفن واتصال بالناس فتكتب:" لكل امرئ قدره. اما قدري فهو ان أكون ظهيراً لزوجي"... وحالما اقترن الزوجان (تولستوي) قرآ يوميات بعضهما البعض كجزء من خطتهما للحفاظ على المودة الخالصة بينهما ولكن فيما بعد ربما وضعا بسهولة نسختين من اليوميات، احدهما ليقرأها الآخر والاخرى لتبقى سرية. وكان لدى (صوفيا) (13) طفلاً، توفي بعضهم عندما كانوا اطفالاً رضعاً – بالأخص طفل هو (فانيتشكا) الذي كان معبود والديه – وفي رواية (الحرب والسلام) يكتب (تولستوي) بألم عن مكابدة والدين يدركان مدى سهولة خطف مرض بسيط لأطفالهما. وكمثل اغلب النسوة في ذلك الزمان كانت (صوفيا) تحت رحمة جهازها التناسلي – كان مجئ الحبة لم يزل على بعد حوالي قرن من الزمان – ويوجد حدث مثير للاهتمام في رواية (آنا كارنينا) يتعلق بهذه الفئة من نساء القرن التاسع عشر، حيث تكون (آنا) مـُـبعـَـدة عن المجتمع بسبب الزنا الذي ارتكبته لذا فهي تقيم في الريف، وتزورها (دوللي) شقيقة زوجها فتخبرها (آنا) عن وسائل تحديد النسل المتبعة في ذلك الزمان، وتتفاعل (دوللي) مع المعلومات ليس ببهجة كما كانت (آنا) تتوقع بل باشمئزاز – فكرة رفض النساء الحمل بالأطفال وهو دورهن التقليدي في الحياة هي ببساطة فكرة غير مقبولة بالنسبة لها – وفي طريق عودتها من (آنا) تسمع قروية تحمد الله الذي أنقذها بأخذ أحد أطفالها ما يترك طعاماً اكثر للباقين، وتأسف (دوللي) لاجل القروية الا انها لا تصاب بالصدمة، ويوضح هذا الحدث آراء النسوة تجاه منع الحمل في ذلك الزمان – (آنا) الوحيدة التي تتقبل استخدامه يتم وضعها خارج أجواء السلوك الاجتماعي المقبول في حين ان (دوللي) وهي تمثل المعايير الاجتماعية تصدمها الفكرة عينها - وفي حدث آخر من الرواية تنتظر (دوللي) زيارة من زوجها (ستيبان) والتي على الارجح ستخلـِّـفها حاملاً وكذلك قلقة بشأن المال اكثر مما هي عليه الآن، وهي تقول متأملة ً بشأن (ستيبان) "يا له من وغد" وهنا نلاحظ مدى تقبل أعباء المخاض بالنسبة لنساء ذلك الزمان. ويوجد عامل آخر في ظروف الزوجين (تولستوي) الزوجية تكشف عن صعوبة بالنسبة لـ (صوفيا) – حيث ينبثق ذلك من يومياتها- وهو ان علاقة (ليو) بـ (فلاديميرغريغورفيتش تشيرتكوف)، فقد كان الاخير مساعداً للأول وأصبح واحداً من اقرب أصدقائه واكثر المؤتمنين على اسراره، و هو مؤسس "التولستوية" – مدرسة فكرية لأتباع آراء (تولستوي) الدينية – فقد كان نسخة مشوهة بشكل استثنائي عن (ليو) نفسه، وأصبح (ليو) مستعبداً لـ (تشيرتكوف)، وكان الاخير ينفر من (صوفيا) متآمراً ضدها بكل طريقة استطاع ان يتبعها. وقال (تولستوي) ذات مرة بأنه قد كان محباً للرجال اكثر مما سبق له وأن أحب النساء، وروايته (سوناتا كروتسر) التي تعين على (صوفيا) نسخها على الرغم من مقتها لها تبدو (الرواية) وصفاً للواط، وقد اندلعت فضيحة كبيرة بسبب هذه الرواية التي تصور جريمة قتل الزوج لعاشق مزعوم. وفي معرض دفاعه عن روايته الذي عرضه في رسالة أخرى عاد (تولستوي) الى أساليبه في وصف النساء الحقيقيات بأنهن شبيهات بالحمائم، نقيات وبريئات. هل سبق له وان التقى بأية امرأة حقيقية؟ وعندما نأتي الى شخصية (تولستوي) فـإنه بحر من التناقضات، فقد كان ايديولوجياً وكان يعظ الناس وكان دائماً مع اليمين ومع ذلك فقد اتخذ موقفه على عدد من المنابر المختلفة وأحيانا المعارضة، كما كان زوجاً طالحاً ومتهوراً من

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram