د. حياة شرارةاثارت رواية آنا كارنينا مناقشات عديدة تناولت محتوى الرواية والمشاكل المطروحة فيها وقضايا الحب والعائلة..الخ. وقد تشعبت آراء النقاد حولها وتباينت. فمنهم م يعتقد ان آنا كارنينا، لاتعبر عن روح العصر ولا تتطرق للموضوعات التي تشغل ذهن الفرد الروسي،
فقد اشار الناقد الروسي المعروف ى.ماركوف في معرض حديثه عن الرواية الى ان كتابات الكونت تولستوي ليست لها اية صلة بقضايا المجتمع المعاصر حتى الملتهبة منها.. ويشاركه في الرأي الناقد ب. تكاتشوف الذي قال ان آنا كارنينا رواية جد عادية من روايات دسائس الحب"...ان هذه الاراء لم تكن وحدها السائدة فقد كان الى جانبها تحليلات مضادة لها اشادت بمضمون الرواية الاجتماعية واسهام تولستوي في معالجة مشاكل الحياة الاجتماعية وفندت الاراء التي قللت من اهمية الرواية الاجتماعية واشارت الى سطحيتها..فقد كتب ل. ليونتيف يقول "ان من يدرس آنا كارنينا يدرس الحياة نفسها". اكد الكتاب السوفييتيون المعاصرون على ان تولستوي استمد موضوع روايته من خضم الحياة الروسية وعرض انواعا مختلفة من المشاكل الخاصة والعامة التي يعانيها الفرد سواء في حياته العائلية او الاجتماعية او الاقتصادية.. وبددوا الشكوك حول ما علق في الاذهان من ان الرواية عبارة عن مجرد قصة مغامرات غرامية لامرأة تركت العش العائلي اشباعا لعواطفها المشتعلة ورغباتها الهوجاء وحللوا مأساة آنا من جميع وجوهها وجوانبها. فقد عارض ايخنباوم المفهوم الذي يعتبر آنا كارنيا رواية غرامية لان مسودات كتابة آنا كارنينا تتسم بمحاربة تقاليد الرواية الغرامية والخروج من اطارها الى عالم العلاقات البشرية الواسعة" ثم يشير الناقد فيما بعد الى المواضيع العديدة التي تشملها الرواية واستجابتها لمتطلبات العصر.. فهو يعتبر ان "آنا كارنينا" هي الرواية الوحيدة في الادب العالمي في القرن التاسع عشر التي تجمع بين اشياء قد يبدو من الصعب التأليف بينها كتتبع قصة الحب الملتهب والقضايا المهمة في الحياة الاجتماعية والمسألة الزراعية والعلم والفلسفة والفن". واشار الناقد ميلاخ الى هذه النواحي قائلا: ان القضايا المتنوعة التي تنطوي عليها الرواية ذات اهمية فائقة تتخطى حدود الوسط الذي تدور حوله وتتخذ اهمية اجتماعية عامة". ولاتقتصر رواية آنا كارنينا على عرض علاقة بطلة الرواية بفرونسكي ولا تقف عند سرد تاريخ ثلاث عوائل روسية ابان فترة معينة من حياتهم. فالبرغم من ان الموضوع الرئيس الذي تعالجه رواية آنا كارنينا هو العائلة التي تعاني التفكك والانهيار ومن فقدان الانسجام والسعادة في داخلها وانعدام اواصر الثقة التي يجب ان يقوم عليها الكيان العائلي فان تولستوي لا يتناوله كمشكلة منفصلة قائمة بذاتها وانما يعرضها على اساس ارتباطها الوثيق بالوضع الاجتماعي المتدهور. فالعائلة هي الوحدة الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع ولذلك فالاضطراب والتداعي اللذان يسودان المجتمع ينعكسان بشكل او باخر على الحياة العائلية. كتب تولستوي رواية "آنا كارنينا" في حقبة تاريخية عصيبة.. فسنوات السبعين تمثل فترة انتقالية في حياة المجتمع الروسي جاءت في اعقاب الغاء نظام القنانة في عام 1861 وانهيار العلاقات البطرياركية التي كانت تسود المجتمع وظهور الرأسمالية وشقها طريقها بقوة لبسط نفوذها على المجتمع وطبع كل شيء بطابع مفاهيمها الاقتصادية والفكرية، ونتيجة لهذا تميزت هذه الفترة بصراعات فكرية واجتماعية حادة بين مختلف القوى الطبقية واشتداد الاصطدامات العقائدية والنضالات الطبقية ، وقد شبه ميخائيلوفسكي احد النقاد المعاصرين لتولستوي هذه الحقبة بفترة سقوط روما وسماها دوستوفسكي "فترة مضطربة" اذ كتب يقول "لم تتسم اية فترة بهذا القدر من القلق والتقلب من جهة لاخرى والبحث عن نقاط ارتكاز اخلاقية جديدة كما تتميز به الحقبة المعاصرة". عاش تولستوي بكل جوارحه هذا الوضع القلق الذي مرت به روسيا واشتد به الالم من تزعزع دعائم المجتمع البطرياركي العزيز على قلبه. وقد ارعبته رؤية عملية تلاشي النظام البطرياركي العزيز على قلبه. وقد ارعبته رؤية عملية تلاشي النظام البطرياركي وزواله تدريجيا.. ولذلك انكب على البحث عن مقومات فكرية واخلاقية جديدة تتلاءم مع التغيرات التي طرأت على الحياة الروسية. وليس من العبث ان تكون هذه الفترة تمهيداً للانقلاب الفكري الذي تبلور في سنوات الثمانين وبداية مرحلة جديدة في حياته تميزت بالانتقال التام الى مواقع الفلاح البطرياركي الفكرية والنضال الذي لايعرف هوادة ضد النظام القيصري وفضحه وتعريته والدعوة الى ازالته. وقد اشار الى وضعه النفسي المرتبك في تلك الايام المريرة التي كتب فيها آنا كارنينا يقول، كرت بي حالة غريبة قبل خمس سنوات فقد كانت تعتبرني في بادئ الامر لحظات من الحيرة وتوقف الحياة كما لو كنت لا اعرف كيف يجب ان اعيش وماذا اعمل ، وقد تعذبت واستسلمت للكآبة".. وجدت هذه المرحلة تعبيرا واضحا لها في الحياة الادبية التي كانت دائما مرأة للواقع الروسي بما ينتابه من هزات وما يتمخض عنه من افكار وآراء
سمات العصر في رواية آنا كارنينا
نشر في: 11 يونيو, 2010: 04:30 م