اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > عصـفـور الشـرق

عصـفـور الشـرق

نشر في: 11 يونيو, 2010: 04:39 م

فريدة النقاشاستنت الهيئة القومية للبريد تقليدا رائدا حين نظمت بالاشتراك مع دار التحرير وجريدة الجمهورية ملتقى إبداعيا أدبيا عقد دورته الثانية هذا العام عن توفيق الحكيم وكانت الدورة السابقة عن (يحيي حقي) وسوف يكون الأعلام الفكريون والثقافيون موضوعات لدوراتها القادمة، وبهذا تقدم الهيئة ورئيس مجلس إدارتها الدكتور أشرف زكي نموذجا يحتذى للهيئات القومية المشابهة
 يدعوها للتعامل مع الثقافة والمثقفين بما يليق بالدور المحوري الذي تلعبه في حياتنا ووصل ما انقطع مع تراثنا قديمه وحديثه وتقديم أدبائنا ومفكرينا الكبار للأجيال الجديدة من الشباب الذي كاد يخاصم القراءة مكتفيا بالتعامل مع الوسائط التكنولوجية الجديدة التي تقدم له المقتطفات لا الأعمال، والمعلومات الخاطفة لا العالم المتكامل. وحين اخترت بعض أعمال توفيق الحكيم لأعيد قراءتها استعدادا للمشاركة في الملتقى وجدتني أمام شخصية ثنائية القدرات فهو فنان ومفكر معا يدعونا بقوة لإعادة اكتشافه وقراءته. فالقضايا التي طرحها في العملين اللذين توقفت أمامهما وهما (زهرة العمر) ككتاب رسائل و(أهل الكهف) كمسرحية فكرية ماتزال راهنة ينشغل بها كل من الفكر والثقافة والسياسة وإن في السياق المجتمعي الوطني والقومي والعالمي الجديد، وفي ظل معطيات شديدة الاختلاف. عالج (توفيق الحكيم) العلاقة بين الشرق والغرب من جهة والحداثة من جهة أخرى على مستويات مختلفة، ومازلنا منشغلين حتي هذه اللحظة بالمسألتين منذ أرسل (محمد علي) بعثاته إلي أوروبا في مطلع القرن التاسع عشر وعاد منها رفاعة رافع الطهطاوي ليفتح عيون الشرق علي التقدم في الغرب ويدعو أبناء جلدته للتعلم، وهو الطريق الطويل الذي سلكه بعد ذلك كل من قاسم أمين ومحمد عبده وطه حسين ويحيي حقي وعشرات آخرين، من الكتاب والمفكرين والعلماء أصبحوا الآن بالآلاف. يقول (الحكيم) في رسالة لصديقه الفرنسي في (زهرة العمر) إن هزة التصادم بين الشرق والغرب هي وحدها التي تفتح الأعين المغلقة في الشرق والغرب، إن في تلاقينا لمعني أوسع من كل معنى شخصي أو فردي، إن فيه قوة الرمز، ما من مرة احتك فيها الشرق بالغرب إلا وخرج من احتكاكهما ضوء آثار العالم، وهنا علينا أن نستدعي ذلك الضوء الباهر الذي أوقده مفكرنا العظيم ابن رشد الذي أنار ظلمات أوروبا في القرن الأوسط. وها هو الحكيم يقول لصديقه (إن عقلي الذي كاد يخبو بأفيون الشرق يضيء من جديد). ثم يشير إلي نفسه باعتباره رجلا شرقيا متوحشا (المرأة عندي يجب أن تحبس في الحريم، أو على الأقل لا يكون لها دخل كبير في حياتي) وقد اشتهر توفيق الحكيم بعد ذلك بأنه عدو المرأة حين ردد في كتاباته كل الأساطير والخرافات التي تتحدث عن نقصها وضعفها. ولعل أبرز ما في رؤية الحكيم لعلاقة الشرق بالغرب أن يكون اعتزازه بالثقافة العربية الإسلامية ذات الجذور المسيحية اليهودية الفرعونية، فهو لم يشعر أبدا بالدونية أو الصغار أمام الغرب رغم أنه نهل من تحضره على عكس بعض المفكرين والكتاب الذين بهرهم تحضر الغرب حتي أنهم لم ينتقدوا الدور الاستعماري لأوروبا تماما كما فعل الحكيم الذي تغاضى أيضا عن هذا الدور، أخذ الحكيم يحلل الأسباب التاريخية الموضوعية التي أدت إلي ضعف الثقافة العربية وجمودها منتصرا في هذا السياق للمخيلة الشعبية العربية التي أنتجت (ألف ليلة وليلة) ومئات السير والملاحم الشعبية باعتبارها جميعا علامات على تطلع الشعوب لخلخلة الجمود واختراقه والتقدم إلى الأمام بحيوية ومقدرة.وحين عالج قضية الحداثة اختار موضوع الزمن في (أهل الكهف) ووجده زمنا راكدا ميتا مستلهما في ذلك الواقع الاجتماعي السياسي لمصر في ثلاثينيات القرن العشرين حين جثم على صدرها الاحتلال والملكية والقوى الرجعية المستبدة وبدا أن ذلك الوضع الكئيب المشابه لما نحن فيه الآن لن يتغير أبدا، فقد عاد الثلاثة ورابعهم كلبهم بعد نوم في الكهف استمر لثلاثمائة عام وقد استيقظوا بمعجزة ليجدوا أن الزمن مس شعورهم وأظافرهم التي طالت ولكنه لم يمس أعمارهم وقلوبهم، أي أن ما جرى في العالم هو مجرد تغيير شكلي خارجي. ورغم البصيرة الثاقبة (لتوفيق الحكيم) كمفكر وفنان فإنه عجز في (أهل الكهف) كما فعل بعد ذلك في (شهر زاد) عن رؤية ولو بصيص أمل لمستقبل آخر إذ عاد أبطال أهل الكهف جميعهم للنوم أو الموت غير معنيين بما يجري في العالم من حولهم فهم الذين كانوا قبل موتهم مناضلين أشداء دفاعا عن المسيحية. ومثله كمثل كل كتابنا وفنانينا الكبار يحتاج (توفيق الحكيم) عصفور الشرق الطليق هذا لقراءات جديدة هو الذي انشغل طيلة عمره بتكوين نفسه فنيا وثقافيا وقدم للمكتبة العربية عشرات الكتب الممتعة سواء اتفقنا مع رسائلها أو اختلفنا فشكرا للهيئة القومية للبريد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram