TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: مهنة العيش في الكتابة

قناطر: مهنة العيش في الكتابة

نشر في: 27 أكتوبر, 2021: 12:07 ص

 طالب عبد العزيز

بين الخوف من الافتقار والحاجة الى الخبز وتأمين متطلبات الحياة الاخرى تضيع السنوات، ويتبدد الجهد، وتفقد الثقافة معنىً من موجبات وجودها واستمراها. كان محمود البريكان، الشاعر يقول: "الشعر هو الذي يجب أنْ تكرس له حياة كاملة" ترى، من بيننا استطاع أن يجعل من حياته رهناً لمشروعه الكتابي؟

وأنّى يكون له ذلك؟ أكتب هذه وأنا أنوء تحت نير إلزام نفسي بكتابة مادتي للجريدة هذه، أو للمجلة تلك، والتي باتت تشبه القيد اليومي، واللازمة التقليدية، ولا اتحدث عن نفسي حسب، إنما هو واقع الكاتب والشاعر والفنان العربي اليوم.

تطالعني على طاولة الكتابة العشرات من أغلفة الكتب، التي جلبتها من المعارض، وجلها نوعيٌّ ومثير، تدعوني للتصفح والقراءة، وعلى صفحة اللابتوب الزرقاء تطالعني ملفات أكثر من كتاب، شبه جاهز لي، لكنَّ الامر يستدعي إعادة النظر. تصويب هنا، ومعاينة هناك، وتأمل في تقديم وتأخير، مع مراجعة لغوية أخيرة.. وكل ذلك يُذهبُ بالجهد والصحة والسنوات، فيما تنقر رأسي مادة الجريدة اليوم، وماذا ستكون، وكيف، ولمن.. وسط هذه المضايقة أشعر بلا جدوى ما نسعى اليه، فما خُلقَ الشاعر والكاتب والفنان لكي يجري، والى ما لا نهاية، وراء دنانير، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تمكث في الجيب إلا لحظات، إذ سرعان ما تتناوشها أيدي البقال والطبيب ومحاسب المدرسة وصاحب مولدة الكهرباء وغيرهم الكثير.

ايُّ مقارنة بين مستعمل الحياة ومنتج الثقافة في شرقنا العربي ومثيله في أوربا وأمريكا ستكون ظالمة. يكفي أن أنظمتنا السياسية هي الاسوأ في العالم، ويكفي أنَّ المسدس الكاتم تسلل الى أقلامنا، وصارت بنادق خصومنا في الفكر والفن تطلُّ علينا من شاشات لابتوباتنا، مثلما يكفي ما تفعله الطبيعة في أرواحنا جرّاء التصحر والشمس المحرقة، التي تطالنا بنارها ثمانية اشهر في السنة، أما إذا جرى الحديث عن نظامنا الاجتماعي، الاكثر تخلفاً في الكون، وعن بنادق أهلينا، التي لا رادع لها، فهو الاقبح والانكى. المثقف يصارع وحوشا لا قبل له بها، فهي تفترسه في البيت والشاعر والمقهى، وتتوغل في روحه حيث حلَّ وأقام.

تفعل رسائل الاعجاب والثناء فعلها في النفس الكاتبة أو الشاعرة، وهو استحقاق جميل يتم بين منتج الثقافة ومتسلمها، كل كلمة من هذه وتلك تدخل المسرات عليه، هذا الكائن الورقي المخلوق من روائح الارض والاحبار، الذي إن أراد استجلب الزرقة لسمائه، وأدخل الاقمار عالمه، بحاجة دائمة الى كل ما يمدّه بالحياة، الى مَنْ يرفع عنه اعباء (مهنة العيش) كما يسميها بافيزي، ويجعل من الحياة لديه أمراً ممكناً، عبر سنِّ جملة من القوانين والتشريعات، التي تحميه، من تعسف الحاجات اليومية، وإذا كان هناك من خُلق ليصبح طبيبا أومهندسا أو تاجرا ... فهناك، في الجهة الاخرى من الكون، من خلق ليرفد الحياة بالمعاني السامية لها، وليجعلها مشروعا انسانياً قوامه الورق والحبر واللون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram