علي حسين
نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول او السياسي بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل سياسي يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة واقع يسير بنا إلى الخلف، مسؤولون يعتقدون أن المايكروفون يعطيهم فرصة ليخدعوا الناس، وليخفوا، وسط ضجيج الخطابات، ملامح العجز الممتدة في مدن وقرى العراق.
المواطن صار بسبب كثرة الخطابات يميّز بين المسؤول الحقيقي والمسؤول الساعي إلى النجومية، الأول هو الذي يعمل من أجل الناس بصمت، والثاني مصاب بهوس المايكروفونات والصراخ .
كلما أنظر إلى وجوه ساستنا أتذكر التجارب التي خاضتها الشعوب للتخلص من ثقافة المايكروفون، وأتساءل، كيف استطاعت بلدان مثل سنغافورة والإمارات والصين وكوريا الجنوبية واليابان أن تحقق كل هذا التطور في سنوات معدودات؟ قبل اشهر كنت قد تحدثت عن كتاب بعنوان "أفكار من العالم الجديد" يتناول الأسس التي قام عليها التطور في بلد مثل الصين، حيث يشرح لنا المؤلف الافكار التي وضعها باني الصين الحديثة دينغ شياو والتي قام عليها التطور الحديث في الصين، التي تتلخص في: أولاً: الواقعية قبل الشعارات.. الامتناع عن إيهام الناس بخطب زائفة.. وشعارات براقة . ثانياً: المهم هو الشعب، وتلبية احتياجاته بأي طريقة.. وبكل السبل.. ثالثاً: الإدارة الجيدة بديلاً عن الإدارة الثقة.. رابعاً: تطبيق معايير الأداء على النخبة السياسية.. والتحقق من أنها تقوم بدورين أساسيين، الأول هو معالجة مشكلة الفقر، والثاني تحقيق النمو.
نقرأ تجارب الشعوب ونتحسر لأننا نعيش في ظل ساسة لا يريدون لنا أن نخرج إلى المجتمع المعافى، حيث يمكن للإنسان أن ينام على أصوات المصانع، لا أصوات الميكروفونات، العالم من حولنا يمشي ونحن أسرى شعارات سياسية عفا عليها الزمن، أُعطينا الثروة والأرض فقررنا أن نطلق النار على التنمية والتطور والمستقبل، لنعيش في ظل مسؤولين يعشقون ضياع الأمل وإهدار الحاضر .
وعلى مدى ثمانيةعشر عاماً عشنا مع سياسيين ومسؤلين ليس لديهم شيء يثدمونه للعراقيين ، نبكي على الانهار التي جففتها تركيا وايران ، ولا تفكر مثلا في حل مشكلة الطاقة ، والعراق ينام على بحيرة من الغاز .
العراق المديون للعالم بـ ” عشرات المليارات ” وشعبه الذي يُطلب منه التقشف وشد الأحزمة والامتناع عن تناول " النستلة " كا اوصانا ذات يوم الشيخ جلال الدين الصغير .
وأرجوك أن لا تقارن بين ما قاله ذات يوم رجل اسمه " دينغ شياو" من ان " الزعامة تحتاج الى عقل يفكر جيداً، وضمير يقظ " ، وبين ما نهَبه اليوم رجال السياسة في العراق، إذ دخل النهب للمال العام بأبشع أشكاله في العراق.