حازم مبيضينحوار الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة، التي يقال إنها تضم عددا من الفصائل المسلحة، والذي يتم بغياب حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة، وهما الفصيلان الرئيسيان المسلحان في دارفور، لن يفضي بالتأكيد إلى سلام حقيقي في الاقليم المنكوب،
وليس صحيحاً أن غياب الحركتين لن يؤثر في نتائج الحوار، لأن صانع القرار في الخرطوم يعرف قدرتهما على نسف أي اتفاق لايلبي مطالبهما، والمناورة بالقول إن السلام أصبح خيار الجميع، وكل أهل دارفور، ولا تستطيع حركة العدل والمساواة احتكار التفاوض، يعني أولا وعاشراً محاولة زرع المزيد من بذور الشقاق والبغضاء بين التنظيمات العاملة في دارفور، وهو تكتيك قد يخدم مؤقتاً سلطة الرئيس عمر البشير لكن آثاره التدميرية ستتجاوز حدود الإقليم لتعم أرض السودان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.محادثات الدوحة تأتي بعد أن كانت " العدل والمساواة " وقعت اتفاقا إطاريا مع الخرطوم، لكنها رفضت المضي في المفاوضات احتجاجا على توقيع اتفاق مواز مع حركة أخرى، وبما يعني عندها تشتيت الأمور، وعدم احترام الاتفاق معها، والإتيان بحركات هامشية للتشويش على دورها القيادي، وهي محادثات تأتي بحسب تبريرات الخرطوم، وفقاً للجدول الذي أخرجته الوساطة في وقت سابق، وبناءً على أوراق العمل التي أعدت سلفا من قبل الوساطة المشتركة، وليس مفهوماً من أين تستحضر الخرطوم تفاؤلها بالتوصل إلى السلام في دارفور، وهل يكفي لكل هذا التفاؤل أن يكون سكان الإقليم قد شاركوا بكثافة في الانتخابات العامة، مؤكدين رغبتهم في الحل السياسي والتداول السلمي للسلطة، وليس التنازع العسكري المسلح عليها.الرافضون للمشاركة في المفاوضات التي تتم برعاية قطر يؤكدون أن السلام خيارهم الاستراتيجي، وأن تغيبهم ناجم عن اندلاع العمليات العسكرية مؤخراً، وأنهم لن يتفاوضوا خارج منبر الدوحة، لكنهم يطالبون بتحقيق الأمن للمدنيين، وعودة النازحين إلى مناطقهم، ونزع سلاح ميليشيا الجنجويد المدعومة من الحكومة، ومحاكمة المتورطين في جرائم حرب أمام محكمة الجنايات الدولية، وهم يتهمون حكومة البشير بعدم الاعتبار من دروس الماضي والاستفادة منها، مثلما يتهمونها بمواصلة الحرب ضد الإقليم الذي لقي فيه حوالي 600 شخص حتفهم خلال الشهر الماضي، الذي اعتبرته الأمم المتحدة أكثر الشهور دموية في تلك المنطقة منذ أكثر من عامين، ويتعرض سكانه لظروف منافية للإنسانية، وهو ما دعا الدول الأوروبية لتقديم مساعدات عاجلة، وهي تشعر بالقلق من عدم تمكن وكالات الإغاثة الإنسانية من الوصول إلى المحتاجين، الذين يتجاوز عددهم في دارفور الأربعة ملايين إنسان إضافة إلى عدد مماثل في الجنوب.الكم الهائل من مشاكل دارفور المعقدة والمركبة وجد طريقه إلى العلن بعد ظهور نخبة متعلمة من أبناء الإقليم، ارتفعت أصواتهم مطالبين بالتنمية وتوفير الخدمات الأساسية التي تتمتع بها بقية أقاليم السودان، وإن بدرجات متفاوتة، لكن هذه المطالب الطبيعية لم تلق الاستجابة أو الاهتمام من الحكومات السودانية كافة،وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً، لكن ثورة الاتصالات وتحول العالم بفضلها إلى قرية صغيرة أتاح لأبناء الإقليم رفع أصواتهم، مستفيدين من المناخ الدولي الرافض للتطهير العرقي وانتهاك حقوق الإنسان والإبادة الجماعية والتهميش والإقصاء، وهي بعض ما كان يعاني منه أبناء دارفور، لكنهم مع ذلك كله قاموا قبل أيام بتسليم الصليب الأحمر الدولي 35 من أسرى النظام الذي يقاتلهم، لتأكيد أنهم دعاة سلام يؤمنون بوطنهم موحداً وبتساويهم مع بقية المواطنين في الحقوق والواجبات.سلام دارفور يحتاج للنيات الحسنة أكثر من حاجته للمناورات، وهو يحتاج لفضيلة الاعتراف بالخطأ حتى وإن حصل ذلك متأخراً، وهو يحتاج للقناعة بأن السودانيين جميعاً متساوون بين يدي الوطن.
كلمة وفاء: حوار الدوحة السوداني... حراثة في الماء
نشر في: 11 يونيو, 2010: 05:28 م