ثائر صالح
يذكر الكثير من الناس سيمفونية "من العالم الجديد" (السيمفونية التاسعة) عند السؤال عن أهم أعمال الموسيقى التشيكي الكبير أنتونين دفورجاك (1841 – 1904)،
ويحتارون في ذكر أية أعمال أخرى، لربما يتذكرون رباعيته الوترية رقم 12 (الأمريكية). فقد طغت شهرة السيمفونية والرباعية على أعماله الأخرى التي قد تفوق في أهميتها هذين العملين الذين ألفهما أثناء إقامته في الولايات المتحدة بين 1892 – 1895 حيث عمل استاذاً في كونسرفاتوار نيويورك بأجرٍ مغرٍ. فقد نقل في العملين أجواء ألحان السكان الأصليين في أمريكا (الهنود الحمر) وروحانيات الأفروأمريكان (الزنوج الأمريكان) ولعل هذا من أهم أسباب شهرتهما العالمية بتأثير من شهرتهما الأمريكية. لكن الكثير منّا سيميز العديد من الأعمال العظيمة لهذا المؤلف المورافي دون أن يعرف من هو مؤلفها. دفورجاك مؤلف قدير من الصنف المغبون فهو لا يستحق هذا الاهتمام الفاتر به اليوم. إذ يمكن وضعه بين أفضل المؤلفين العالميين وأكثرهم أصالة، خاصة بين أفضل الموسيقيين "القوميين" الذين التفتوا إلى الموسيقى الوطنية الشعبية وأخذوا منها وأعطوها الكثير. فرقصاته السلافونية (عمل رقم 46، سنة 1878) وثنائياته المورافية من أفضل الأعمال في هذا المضمار، والكثير من ألحانها ابتكرها المؤلف وهي ليست مجرد اقتباس من الألحان الشعبية كما يفعل الآخرون. إذ تتميز أعماله بالألحان المبتكرة الساحرة وبجمال وبراعة النسيج الهارموني وبالتوزيع الاوركسترالي المؤثر. يمكن تشبيه قدرته الفائقة على ابتكار الألحان بقدرة فرانس شوبرت (1797 – 1828) على تركيب النغمات ليخلق منها ألحاناً لا نستطيع نسيانها لتميّزها وأصالتها. لذلك أستقل الكثير من أغانيه وأعماله الغنائية القصيرة لتدخل خانة الأعمال دائمة الخضرة التي تؤدى في المقاهي والأعراس دون أن يعرف الناس من هو مؤلفها، بالذات بسبب ألحانها الآسرة المميزة. نجد الكثير من أعماله بين تراث البيانو أو الفرق الصغيرة التي تؤدي مثل هذه الأعمال في المقاهي في الأماسي، وكان هناك الكثير منها في براغ وفيينا وبودابست وغيرها من مدن الإمبراطورية النمساوية وكذلك في بقية المدن الأوروبية. وقد استمر هذا التقليد الجميل في المدن الأوروبية الذي ترسخ في القرن التاسع عشر ليستمر حتى عقود بعد الحرب العالمية الثانية، إلى أن اختفى تدريجياً في العقود الثلاثة الأخيرة.
لم يقتصر دفورجاك على تأليف الأغاني والقطع الموسيقية القصيرة الأخاذة، بل ألف العديد من الأعمال الهامة وفي كل الأشكال الموسيقية تقريباً. فلديه رباعيات وترية هامة وأعمال أخرى لموسيقى الحجرة، وتسع سيمفونيات وقصائد سيمفونية وكونشرتات احتلت موقعاً مرموقاً في تراث هذا الشكل الموسيقي، ولعل بداية كونشرتو الكمان التي كتبها هي أجمل بداية لأي كونشرتو كمان أخرى وأكثرها تأثيرا. ألف أعمالاً دينية كذلك مثل نشيد مريم الحزينة أو القداس، بالإضافة الى بعض الأوبرات التي برزت بينها أوبرا روسالكا وأشهر اغنية فيها هي "اغنية إلى القمر"، التي استقلت هي الأخرى لتصبح قائمة بذاتها.