TOP

جريدة المدى > عام > نصــير الـنـَّهـــر:الصحافة لم تسرقني من الشعر لأنني سرت في الاتجاهين المتوازيين

نصــير الـنـَّهـــر:الصحافة لم تسرقني من الشعر لأنني سرت في الاتجاهين المتوازيين

نشر في: 1 نوفمبر, 2021: 10:34 م

يرى أن الوضع الإعلامي والثقافي مرتبك جدا، لاسيما للمتلقي البسيط

حاوره: علاء المفرجي

شاعر وصحفي عراقي. ولد في الصويرة من محافظة واسط ونشأ بها وحصل على الثانوية العامّة.

عمل في الصحافة واشتغل بالسياسة فتعرّض للاعتقال والسجن والفصل من المدرسة. وهو شقيق الشاعرة حياة النهر.

ولد نصير النهر في الصويرة من محافظة واسط سنة 1943. أكمل دراسته الأولى فيها ثم أكمل الثانوية في بغداد، وتعد أسرته من بيت الرئاسة في قبيلة زبيد وكان والده أحد رؤسائها، واتجه في شبابه إلى التيار اليساري وتحديدا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، فعانى كثيرًا، واعتقل وسجن عدة مرات، وفصل من المدرسة لأول مرة عام 1953. وفي ظل معاناته كتب القصائد الكثيرة التي ألف منها ديوانًا خاصًا أرسله إلى بيروت لطبعه في إحدى دور النشر. لكنه فقد أثناء الحرب الأهلية في أواسط السبعينيات.

عمل في الصحافة في البلاد والتآخي والنور ثم مجلة ألف باء وجريدة الجمهورية وعين سكرتيرًا لتحرير وأبدع كتابة التقرير الإخباري السياسي - المحايد المنحاز = منذ سنة 1980. وأذيعت له عشرات التقارير في الإذاعات العربية والأجنبية. هو عضو اتحاد الأدباء ونقابة الصحفيين. ويقيم في بغداد وزوجته هي ندى النهر وشقيقتها حياة النهر.

عن تجربته وذكرياته في السياسة والصحافة والشعر تحدث نصير النهر ل(المدى):

 حدثنا عن نشأتك والمصادر التي أثرت عليك وعلى توجهك للكتابة الصحفية والى الشعر؟

- بدءاً.. أشكر صحيفة المدى، ومؤسسة المدى، على الاهتمام بمتابعة نشاطي الادبي والصحافي والسياسي، وإعادتي الى ذكريات عزيزة، وان كانت قاسية في أحيان عديدة، وخلاصة الحوار هي “مَن أنتَ؟”، ولكنني في نفس الوقت أتساءل “لماذا أنا.. أنا؟”، ومن دون أي تخطيط مسبق، وجدت نفسي حافظا للشعر بغزارة في طفولتي، واُميز الخطأ والصواب، وأغلب ما كنت أميل اليه هو الأدب السياسي، على الرغم من أن اول كتاب أهداه لي والدي، هو “تربيتي” لسلامة موسى، وأول قصيدة اهداها لي لأحفظها، هي “سِر في حياتك سيرَ نابِه” للرصافي، وقد يتماهى ذلك مع ما سبق بشأن دخولي المدرسة، فلم يكن مسموحاً القبول في الصف الأول لمن عمره أقل من 6 أو 7 سنوات، فيما وافقت إدارة المدرسة على قبولي كـ “مستمع” وانا بعمر 4 سنوات، وكانت المفاجأة الكبيرة، انني نجحت في الامتحانات بدرجة الأول على الصف، ونجح اقراني من “المستمعين” الى الصف الثاني، وأنا في الصف الخامس.

لم اُصدّق ما حصل.. اخذت الشهادة وركضت مسرعاً باتجاه نادي مدينة “الصويرة” ابحث عن أبي لاُبشره بالنتيجة، وكان النادي ملتقى لوجهاء وشيوخ القضاء.. لم أجد أبي، وكان هناك صديقه الحميم، الرجل الأول في المنطقة، شيخ مشايخ قبيلة زبيد، حامد العجيل السمرمد، الذي نهض من مقعده “لتهدئتي”، متسائلا عن سبب ركضي ولهاثي، فأخبرته بنجاحي متفوقاً.. كانت فرحته لا توصف، احتضنني، واخرج من جيبه “درهماً” اعطاني إياه هدية للبشارة.. وكان الدرهم آنذاك مبلغا كبيرا بالنسبة لطفل.

في نظري، كانت هذه المكافأة ذات مغزى سياسي، لأن حامد العجيل لم يكن شيخ زبيد فقط، بل كان أحد قادة الحزب الوطني الديمقراطي، برئاسة كامل الجادرجي، وكان والدي رفيقه في الحزب، وشريكه مناصفة في الأراضي الزراعية، ويفصل بين حصتيهما جدول مشترك، كما كان عضوا بمجلس النواب، حيث تم اغتياله فيما بعد، ليحل مكانه آخر من المؤيدين لرئيس الوزراء نوري السعيد.

أذكر هذه الحادثة لأنها عرفتني بنوعية أصدقاء أبي من السياسيين الذين يكرّمون التفوق في التعلم والثقافة، وان الشيخ ليس مجرد عقال، وانما “عقل”.. نعم، في السياسة النظيفة يتحول العقال الى عقل.

 ما هي الدوافع التي غذت توجهك اليساري منذ بداية الخمسينيات وأدت بك احيانا الى السجون؟

_ سياسياً، كانت مدينة الصويرة تحتضن الكثير من المثقفين والشعراء ذوي التوجه اليساري، وكان “الديمقراطي” آنذاك يسمى “شيوعيا”، لوجود تقارب بين التوجهين في معارضة السلطة، فيما نشط الحزب الشيوعي كتنظيم في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، فاختلطت الديمقراطية مع الشيوعية، وأصبحت عائلة “النهر” نموذجا لليسار السياسي، وبحكم التواجد المستمر للوالد حسن النهر في بغداد، ولقاءاته مع كبار القادة السياسيين آنذاك، توطدت العلاقات، وتعددت زيارات السياسيين الى المدينة... وأذكر أنني، رغم صغر سني، كنت مع والدي، في مجالَسة الضيوف، من المدينة وخارجها، حيث كان يفاخر بما احفظه من الشعر، الامر الذي شجعني على قراءة المزيد من الادب العربي والعالمي، والتحدث الصريح بتوجه سياسي يساري.

هكذا، لم يكن توجهي اليساري فكريا مجرد إحساس عاطفي، وانما نتيجة تراكم بيئي وثقافي، واطلاع شامل على مفردات هذا الخيار، وانسجام تطلعاتي معه، والتي اصطدمت منذ بداياتها بالقمع من قبل مشلولي التفكير.

 وماذا عن البدايات؟

_ وعن البدايات، أذكر أن من بين أصدقاء والدي كان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وكنت احفظ الكثير من شعره، وقد اُعجبت خصوصاً بقصيدته “يوم الشهيد”، عندما حفظتها كان عمري 10 سنوات، وكان ضمن البرنامج المدرسي، اصطفاف بداية الدوام يوم الخميس، ورفع العلم والقاء كلمة، او قصيدة غالبا ما كنت ألقيها انا، وربما من اجل أن اظهار براعتي في الحفظ والالقاء، او “التحريض”، ألقيت ذات خميس قصيدة «يوم الشهيد» في الاصطفاف المدرسي، فكانت النتيجة أن اذهب الى البيت مفصولا من المدرسة، ولم يدم هذا الفصل سوى أيام، ولكنني اكتشفت آثاره عندما انتقلت في المرحلة المتوسطة الى بغداد، حيث رفضت المدرسة الغربية قبولي بادعاء انني “مشاكس”، على الرغم من طبعي الهادئ وعدم دخولي أي مشاجرة، حتى لفظياً، كما يحصل عادة بين التلاميذ أو الطلاب، وتمت التسوية بنقلي الى مدرسة أخرى في منطقة الوزيرية، ليبدأ فيها نشاطي الرسمي في الحركة الطلابية.

وكان موضوع فصلي من المدرسة “شهادة حسن سلوك”، حيث اُعجب الجواهري بالفتى الصغير الذي عوقب بسبب القاء قصيدته، ورُفض في مدرسة أخرى، ما جعلني مقرباً منه، ومزكّى لدى الحراك الطلابي، وقد قربتني من الجواهري أكثر علاقة الصداقة بيني وبين أبنائه نجاح وكفاح، حيث كنا نسهر دائما في بيتهم القريب من بيتنا، واستمر تواجدي في بيت الجواهري حتى خلال القطيعة بينه وبين الشيوعيين عام 1953، وامتناعه عن استقبال احد، وقد كنت “الوسيط الصغير” في الإصلاح بينهم، بعد تولي سلام عادل قيادة الحزب وتوحيده والانفتاح على القوى الأخرى.

 وهل كان للشعر دور في ذلك؟

-ومع الالتحاق الرسمي بالحركة الطلابية اليسارية، في عام 1955، كان الشعر ملهمي في النشاط السياسي، وشاءت الظروف ان انتقل الى مدرسة أخرى، في السنة التالية، هي الثانوية الشرقية في الكرادة، وكنت في الصف الثالث المتوسط، فيما صار بيتنا أقرب الى بيت الجواهري. آنذاك كانت النقمة على تحالف ميثاق بغداد “السنتو” تتفاقم في الشارع العراقي، وزاد منها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، واشتعال الانتفاضة الشعبية ضد العدوان، وبرزت الثانوية الشرقية بإجماع لا نظير له في الانتفاضة، وقد كنت من أبرز عناصرها، ولمدة 3 أيام متواصلة كنت مرفوعاً على الاكتاف، لإلقاء القصائد الثورية الحماسية.

في اليوم الرابع، تقرر عدم بقاء التظاهر محصوراً داخل المدرسة، والخروج الى الشارع، وبالفعل جابت التظاهرات بعض شوارع الكرادة باتجاه الباب الشرقي، وعند وصولنا الى منطقة بدّالة العلوية، خرجت ثلّة من عناصر الشرطة واخذت تطلق الرصاص في الهواء وتستخدم العصي والهراوات لتفريق المتظاهرين، الذين ركضوا لتجنب الضرب والاعتقال... بقيت واقفا في مكاني، ثم واصلت المسير على الرصيف، وانا أرى افراد الشرطة والعناصر الأمنية يركضون أمامي!!.

“الاوغاد يتجاهلونني”... لا أحد فيهم يعتقد ان هذا الصبي ذا الثلاثة عشر عاما، هو من ضمن الداينمو المحرك للتظاهرات، وهو فتى الشعر الحماسي داخل المدرسة وخارجها!.

 استطيع أن اقول خسرك الشعر وربحتك الصحافة، هل كان الشعر هواك الاول ولم؟

- قلت ان توجهي السياسي والفكري مبني على أسس بيئية وثقافية، فيما الشعر عاطفي، لكن كيف توجهت اليه، واعتقد انه توجه إلي، ومنذ البدايات كنت أحس بأي خلل في أي بيت او مقطع شعري، واحياناً كنت اُدون بعض ما يخطر في بالي، لاسيما المقطوعات العاطفية، التي لم اطلع عليها أحد خارج نطاق أصدقائي المقربين جدا، الذين واكبت المسيرة معهم في الإعدادية المركزية، بعد ثورة 14 تموز 1958، ومن ثم أصدقائي في اتحاد الطلبة واتحاد الادباء، الا أن انتصار الثورة الكوبية في عام 1959، أخرجني الى العلن شعرياً، وكتبت قصيدة من الشعر الحر، الذي لا يخلو من قافية، مهداة الى فيديل كاسترو، وكانت صحيفة “اتحاد الشعب” آنذاك في بداية صدورها العلني، وعندما اطلع عليها احد القياديين في الصحيفة، اقترح نشرها، رغم ان الصحيفة لم يكن فيها بعد قسم ثقافي، وفعلاً نشرت القصيدة في صدر صفحة المحليات، في العدد 19 من الجريدة. ومع الأسف ذهبت القصيدة مع الضائعات.

 وكيف كانت البداية مع الشعر.

- في الحقيقة كنت في البدايات اكتب الشعر للتسلية، ولم اكن مهتما بالنشر، الا في أحيان متباعدة، الا انني وجدت نفسي صحفيا مع انعقاد المؤتمر السادس لاتحاد الطلبة العالمي في بغداد عام 1960، حيث عملت في صحيفة صوت الطلبة، لتغطية فعاليات المؤتمر، وبحكم علاقاتي الوثيقة مع الادباء والمثقفين والصحفيين، كنت اتردد على صحيفة البلاد، فطلب مني رئيس التحرير فائق بطي ان اعمل في قسم التصحيح، ثم في قسم التحقيقات، حتى تم اعتقالي في مطلع شهر نيسان 1962، وكان قد صدر بحقي حكم غيابي بالسجن في قضية لم اعرف من تفاصيلها سوى وجود اسمي او شيء يخصني، في وكر مركزي للحزب، يضم المطبعة السرية التي تصدر البيانات الخاصة، وبعدها توالت السجون والاعتقالات، ومنها اعتقالي “وفق المادة 24/ تشرد”.

وللحقيقة أقول انني في حالتي اعتقال رئيسيتين، في عهدي حزب البعث، جرى التحقيق معي من قبل “شيوعيين!»، أحدهم هو الذي وشى بي، وكان من ذوي القربى.

أخلص هنا الى ان الصحافة لم تسرقني من الشعر، لأنني سرت في الاتجاهين المتوازيين، الا ان السجون وفترات الاختفاء، لا مجال فيها للصحافة، وكان انتاجي الشعري خلالها غزيرا، وفقدت الكثير منه.

 ما هو اثر الاسماء التي عرفتها في مسيرتك في الشعر والصحافة؟

-في الفترات المبكرة كان شعر الجواهري والمتنبي والسياب، في مقدمة اهتمامي، وعندما قرأت ترجمة قصائد لوركا، التي أصدرها بدر شاكر السياب، اصابني الذهول، لأن ما اقرأه لشعرائنا لا يصل الى بعض مستوى شاعرية لوركا، على الرغم من انني اطلعت على النسخة المترجمة وليس الاصلية، الا ان هذه الصورة خففها لدى صديقي الشاعر رشدي العامل... حينها قال لي رشدي ان الشاعر سعدي يوسف أصدر ديوان “51 قصيدة”، فقلت له في شبه استخفاف “كم قصيدة فيه؟”، فأجاب «51» بلا استثناء... لم سمع شاعرا من قبل يثني على شاعر بهذا الشكل، الذي صحح مفاهيمي، لاسيما وان رشدي العامل ومحمود الريفي كانا الشاعرين الأكثر اهتماماً بكتاباتي، وكانا اساتذتي بالفعل، في وقت كنت اعتبر شعر عبد الوهاب البياتي «تجاريا».

ولم يكن الأكثر منهما اهتماما، في احدى فترات الاعتقال من الشعراء، وانما كان قائدا سياسيا، هو الشهيد حمزة السلمان... كان عندما يراني امسك الورقة والقلم، يطلب من المعتقلين معنا اخلاء القاعة “القاووش”، ويتولى بنفسه اعداد القهوة لي، ومع كل هذا “الدلال”، لا أقول انه كان صارما، وانما كان دقيقا معي الى ابعد الحدود في نقد “موسيقى الكلمة”، وفي تكثيف الصورة الشعرية، وفي الخروج بشيء يختلف في حداثته عما هو متداول من الشعر... لذا اعتبره استاذي الأول.

 ما الذي يميز شعرك؟

-وفي صدد كتابتي للشعر، وما الذي يميزه عن سواه، لا أدّعي أفضلية، فلكل شاعر أسلوبه ورؤاه، ولكن ما يثير استغرابي هو قراءتي للعديد من الشعراء، بنفس الأسلوب، وبنفس الاوزان الشعرية، التي تكاد تقترب من شعر “البند” او “المدوّر”، الذي ظهر في القرن السابع عشر، مع انعطاف عنه باتجاه البحور الشعرية الأكثر سهولة، والتي تقترب من النثر، إضافة الى ظهور “شعراء النثر” الذين لا تعد نتاجاتهم شعرا، مع استثناءات بوجود الصورة الشعرية احياناً.

ولعل مما يميز شعري هو الالتزام بإيقاع التفعيلة، مع قافية متنقلة، إضافة الى استخدام البحور المركبة من تفعيلتين في الشعر الحر، هذا من ناحية الشكل، اما المضمون فيظهر عندي واضحا في دمج الغزل مع السياسة، فيلمس القارئ قصائد غزل بمحتوى سياسي، مع الاهتمام طبعا بالصورة الشعرية وموسيقى الكلمة.

تذكرني هذه الفقرة بموجة الستينات، و”الشعر الميكانيكي” الذي لا يفهمه أحد، وربما حتى كاتبه، ففي أواسط الستينات كنت اعمل في صحيفة “التآخي”، وقد تصدينا لهذه الظاهرة التي تحط من مكانة الشعر، وفي أحد الاستطلاعات التي اجريتها آنذاك، تحدث الكاتب الصحفي والسياسي فخري كريم، عن كون ذلك الاتجاه محاولة لقتل الشعر العرقي الأصيل، بدفع من جهات غريبة، وبالمقابل كانت هناك هجمات كثيرة على نهج التزام الشعر بالشعر، حتى ان بعضهم وصفنا بــ”الجدانوفيين” في إشارة منهم الى اندريه جدانوف المستشار الثقافي للرئيس السوفيتي ستالين، الذي شن حملة ثقافية ضد محاولات الحط من مكانة الثقافة الروسية “العتيقة”، التي كرسها غوركي وبوشكين وتولستوي ودستويفسكي وسواهم من عمالقة الادب العالمي.

وفي هذا الصدد يمكن القول ان الصحافة العراقية شهدت ازدهارا في النصف الثاني من الستينات اكثر من سواه... وللإنصاف يمكنني القول ان المادة الصحفية السياسية والثقافية التي تصل الى بعض الصحف من السجون والمعتقلات لعبت دورا مهما في هذا الازدهار.

 ماذا تقول عن هذه التجربة في الصحافة، وما هو تصورك لمستقبل الصحافة في العراق، خاصة بعد اجتياح الصحافة الالكترونية؟ وهل تعتقد ان الورقية في طريها للاضمحلال؟

- وفي صدد الحديث عن بروز المحتويات الثقافية الضعيفة او الركيكة في الصحافة الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، يمكن القول ان الموضوع يشبه وجود ألف قناة تلفزيونية، تشوش فكر وتركيز المتلقي، ووجود اكثر من مئة صحيفة ورقية تبيع في البورصة اقل من 100 الف نسخة، وينطبق ذلك على وجود اكثر من 150 حزب “سياسي”، معظمها تطرح نفس البرنامج الكلامي، من دون وجود أيديولوجية لأي منها، مع استثناءات قليلة جدا.

نعم... الوضع الإعلامي والثقافي مرتبك جدا، لاسيما للمتلقي البسيط، مع ملاحظة وجود افضليات لدى الكثير من المتلقين، وكذلك وجود افضليات لدى الكثير من قراء الصحافة الورقية ونكهتها المتميزة.

وفي رأيي أن الاستقرار السياسي والاقتصادي هو الكفيل بفرز الغث من السمين... وهذا الاستقرار يبدو احتمالا بعيد المدى، ويتطلب الكثير من الجهد لإعادة الحياة للثقافة العراقية.

اما القول بان الدور المهم للصحافة العراقية قد انتهى بعد هذه الفوضى في عمل الصحافة مهنيا ونقابياً «في الوقت الحاضر»، فان ذلك لا يلغي المستقبل، وكما يقول الجواهري “أعُقماً واُمّات البلاد ولودةٌ.... وإنك يا اُم الفراتين أنجَبُ”.

 انت من الصحفيين الذين واكبوا اجيال من الصحفيين.. هل تستطيع ان تحدد اسمار صحفية كان لها شأناً في هذا الميدان؟

-يبدو هذا السؤال الأشد إحراجاً، وقد يكون “جدلياً”، لكنني سأذكر ما يخطر ببالي، ولعل من أبرز هذه الأسماء، عبد الجبار وهبي “أبو سعيد”، الذي كان قراء صحيفة اتحاد الشعب، يبدأون بقراءة ما كتبه أبو سعيد في صفحتها الأخيرة بعنوان

«كلمة اليوم»، ويتناول فيها بأسلوب نقدي لاذع وساخر الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب. وعرف المذيع الاقدم «حافظ قباني»، الذي كان من أبرز محرري صحيفة “البلاد”، بانه سبق ان تناول مشكلات الناس وهمومهم، من خلال ركنه “عزيزي حق” في صحيفة “الشعب”. ومع ذكر جريدة البلاد، لابد من التوقف عند رئيس تحريرها، فائق بطي، الذي ورث الصحيفة، مع أخيه سامي، من والدهما المؤسس روفائيل بطي، وعرف فائق باستقطابه الكفاءات الشابة، ومنها فخري كريم وأنا، حيث برز فخري في نشاطات صحفية وإعلامية كثيرة داخل العراق وخارجه، كما حقق نجاحا كبيرا في تأسيس “مؤسسة المدى” وصحيفة “المدى”، ولا يفوتني ذكر الدكتورة سلوى زكو، ونجاحها في رئاسة تحرير صحيفة “النهضة”، إضافة الى عملها في ثقافية مجلة ألف باء، وصحيفة المدى، ومواصلتها الكتابة لحد الآن في الشؤون السياسية والثقافية والاجتماعية، وبذلك تعد “عملة نادرة” في تعدد اهتماماتها، ويقاسمها في هذا النشاط محمد كامل عارف، الذي رأس قسم التحقيقات في مجلة الف باء والقسم الثقافي في صحيفة الجمهورية، ثم انتقل الى الكتابة في الصحافة العربية والعالمية، ولحقه سهيل سامي نادر، وفي ذكر صحيفة الجمهورية، لا يفوتني ذكر صادق الازدي، وعموده اليومي الطريف “ومضات”، وكان الازدي يراس تحرير صحيفة “قرندل” الساخرة.

ومن بين الأسماء التي لها أثر كبير في الصحافة العراقية سعد قاسم حمودي، الذي ابتدأ العمل منذ الخمسينات في صحيفة والده “الحرية”، ثم رأس تحرير صحيفة الجمهورية، ودار الجماهير للصحافة، وكان يتميز بـ “الباب المفتوح” امام كل كادر التحرير، ويتعامل مع هيئة التحرير على أساس الكفاءة، بعيدا عن التحزب، وفي اثناء رئاسته لصحيفة الجمهورية اصدرنا اول ملحق علمي اسبوعي “طب وعلوم”، وفي ذكر صحيفة الجمهورية التي عملت فيها مدة تقارب الثلاثة عقود، تزايدت طباعة ومبيعات الصحيفة من الفي نسخة الى نصف مليون نسخة يومياً، ومعها الملاحق الأسبوعية الرياضية والعلمية والثقافية وغيرها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram