عدوية الهلالي
المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، اما لدينا فالمتهم مدان حتى تثبت براءته ، وهذا مايحدث في مراكز التوقيف والسجون العراقية فمن يقوده حظه السيء اليها فيما لو كان بريئا سينطبق عليه المثل الشعبي القائل (دخول الحمّام ليس مثل خروجه)
لأن اضرارها ستطاله وستترك آثارها عليه قبل ان ينجح في اثبات برائته فالتعذيب لدينا يسبق الاعتراف الذي نراه في الافلام والمسلسلات العربية والاجنبية ونصدق انه يقوم على الاستجواب وفي حضور المحامي احيانا ، وغالبا مايقود التعذيب الى اعترافات خطيرة لاعلاقة لها جذريا بالمتهم فقد يصبح قاتلا او مغتصبا او سارقا باعترافه ليتخلص من الصعقات الكهربائية والضرب المبرح والتجويع والايذاء اللفظي والانتهاك الجسدي وغير ذلك من الافعال التي لاتمت للانسانية بصلة ..
في بعض مراكز الشرطة يكون الامر مقصودا ليس للحصول على اعترافات المتهم بل لابتزاز أهل المتهم والحصول على المال الذي سيدفعونه بسخاء حتى لو لم يكونوا من اصحاب الاموال لتجنيب المتهم التعذيب ، والمؤسف في الأمر ان بعض القضاة يتحملون وزر هذه السلوكيات لأنه وعندما تصل اوراق التحقيق الى القاضي بعد عناء وايام طويلة ، ربما سيقتنع ببرائته ويفرج عنه – خاصة وانه بريء اصلا – لكن رجال الشرطة الذين حصلوا على مكافأة برائته قبل ذلك سيبلغون اهله ان القاضي هو من استلم الرشوة ليفرج عن المتهم على الرغم من اعترافاته وبذلك سيسيئون حتما الى نزاهة القاضي بينما يكون البديل الحقيقي لكل ذلك هو الاستجواب وفق مايقتضيه القانون ومعاهدات حقوق الانسان بلا ضغوط مادية او معنوية ثم التسريع بتحويل اوراق المتهم الى القاضي لأنه سيكتشف حتما في ما اذا تعرض المتهم الى الضرب والتعذيب قبل زوال آثاره فضلا عن ضرورة النظر في الادلة المادية وملاحقتها لاكتشاف الحقيقة !!
في الآونة الاخيرة بدأنا نسمع عن قصص غريبة مثل قصة الرجل الذي اعترف بقتل زوجته ثم تبين انها على قيد الحياة وان التعذيب هو الذي قاده الى الاعتراف بقتلها وحرقها ومثلها قصص اخرى يصعب تصديقها في الوقت الذي بدأنا نسمع عن دعوات من مفوضية حقوق الانسان في العراق الى ايقاف التعذيب بحق الموقوفين والسجناء والمعتقلين ربما تدفعنا الى استذكار ماورد في الدستور العراقي عام 2005 حول تحريم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية وعدم الاخذ بأي اعتراف ينتزع بالاكراه او التهديد او التعذيب ، فضلا عما ورد في قانون العقوبات حول معاقبة كل من يقوم بتعذيب السجناء والموقوفين ، لكن الدستور يثبت لنا اليوم انه لم يغادر الاوراق ليتم تطبيقه على ارض الواقع ومايحدث في مراكز الاحتجاز والتوقيف التابعة لوزارات العدل والداخلية والدفاع اكبر دليل على ذلك لأن الكلمة الاولى اليوم لم تعد للدستور ولاللقانون بل للمال الذي يمكن ان يدفع ضعاف النفوس الى ابتزاز اهالي الموقوفين والتلاعب بمصيرهم لحين الحصول على المال الذي قد يصبح دليل برائتهم الوحيد ..