متابعة/المدى
ناقش موقع "ميدل ايست آي" البريطاني، اليوم الثلاثاء، مساعي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لتغيير قواعد اللعبة للعملية السياسية السائدة منذ 18 عامًا القائمة على التوافق وتقاسم السلطة، فيما نقل التقرير عن مصادر مقربة من الصدر، أن الأخير لن يتنازل عن هذا الأمر حتى لو كلفه حياته.
وقال الموقع البريطاني في تقرير اطلعت عليه (المدى)، ان "الصدريين يراهنون على التخلص من نظام تقاسم السلطة القائم منذ العام 2003، والانفراد بالحكم، وهو ما منح معسكر المالكي املا جديدا في ان يتعاظم نفوذه".
ولفت التقرير الى ان الانتخابات الاخيرة "اعادت رسم خريطة نفوذ القوى الشيعية بشكل حاد، وزادت من حدة التنافس بين مقتدى الصدر ونوري المالكي".
العد اليدوي ورقة خاسرة
ونقل التقرير عن مسؤولين وسياسيين عراقيين قولهم، ان نتائج اعادة العد الفرز اليدوية لن تكون وشيكة ولن تغير نتائج الانتخابات بشكل كبير.
واشار التقرير الى ان الكتلة الصدرية تمثل الان الكتلة الاكبر في البرلمان، وتتمتع بالحق الحصري في ترشيح رئيس الوزراء المقبل وتشكيل الحكومة، ولهذا فان الصدر يبدو مبتهجا، وهو يتجاهل شكاوى الفصائل المدعومة من ايران من اجل مواصلة مفاوضات تشكيل الحكومة، تاركا تلك الجماعات تخشى ان يسعى الى فرض الهيمنة الكاملة، وبالتالي، تهميشها.
وبحسب مسؤولين ومراقبين وقادة فصائل، فان المالكي يستغل هذه المخاوف ويستخدمها كوسيلة ضغط ليتمكن من نيل منصب قوي.
مخاوف "الفصائل"
ونقل التقرير عن زعيم سياسي شيعي كبير مقرب من ايران، قوله ان "الجميع يعلم ان اعادة فرز الاصوات يدويا غير مجدية وان النتائج لن تتغير".
واعتبر ان الفصائل المدعومة من ايران في "وضع لا تحسد عليه"، بعدما كانت تسيطر على البلد والسلطات من خارج الدولة، "لكنهم فقدوا كليهما الان".
وتابع "الزعيم السياسي" قوله انهم "جميعا، بمن فيهم المالكي، قلقون من ان يبتلعهم مقتدى الصدر ويبتلع الدولة، ولهذا فانهم يبحثون عن وسيلة لاعادة الامور الى وضعها السابق بطريقة او بأخرى".
ووفقا للمسؤول نفسه، فان الفصائل المسلحة المصابة بكدمات بعد الانتخابات، تتجمع حول المالكي على امل ان يكون بمثابة ثقل موازن للصدر، "لكن المشهد معقد جدا بحيث ان الامور لن تكون بهذه البساطة".
وتابع المسؤول ان "الاختلافات الكبيرة بين الاحزاب في الساحة الشيعية والتي نتجت عن الانتخابات، تجعل من الصعب للغاية تقبل الحلول التقليدية التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية".
مشروع الصدر المخيف
ولفت التقرير ان العراق يحكم منذ العام 2006، من خلال نظام تقاسم السلطة الذي يوزع المناصب بشكل متناسب بين اكبر الفائزين في الانتخابات، موضحا انه برغم ان كل الانتخابات الاربعة الماضية اسفرت عن فائز بارز، الا انه كان يتم ضم احزاب مختلفة الى الحكومات التي تتشكل.
لكن قياديا كبيرا في التيار الصدري قال للموقع البريطاني انه نظام "انتج حكومات توافقية يستفيد منها الجميع، لكن لا احد مسؤول عن فشلها.. الصدر يريد ان ينتهي هذا حتى لو كلفه ذلك حياته".
وكان الصدر اعلن الاحد الماضي دعوته الى تشكيل حكومة اغلبية وطنية، ليكون هناك في البرلمان حزبان: موالاة ومعارضة.
واشار القيادي الصدري للموقع البريطاني الى ان مشروع مقتدى الصدر يتمحور حول تشكيل حكومة يتبناها بالكامل ويتحمل المسؤولية كاملة عنها في حال نجاحها او فشلها، مضيفا ان الصدريين سيختارون رئيس الوزراء، ويشكلون الحكومة ويشرفون على عملها.
وتابع ان "الصدر هذه المرة لن يسمح تحت اي ظرف من الظروف بالعودة للعب في المنطقة الرمادية. الحكومة ستكون حكومتنا والصدر نفسه سيتابع كل التفاصيل بشكل يومي".
انقلاب صدري
ولفت التقرير الى ان خصوم الصدر مثل المالكي وعمار الحكيم وحيدر العبادي ينظرون الى مطلب الهيمنة الكاملة على الحكومة الجديدة على انه "انتهاك صارخ" للقاعدة السياسية التي ابقت على هيمنة مختلف القوى والفصائل السياسية والمسلحة منذ العام 2003.
واعتبر التقرير ان "الصدر يمزق الان كتيب القواعد" المعمول بها منذ ذلك الوقت، مشيرا الى ان المنافسين والشركاء السابقين على حد سواء ينددون الان بخطط مقتدى الصدر، باعتبارها "انقلابا" ضدهم.
ونقل التقرير عن قيادي كبير في فصيل مسلح موال لايران، قوله "معارضو الصدر يعتقدون ان القبول بما انتجته الانتخابات، يعني خسارة حتمية على المدى المتوسط ، وبالتالي يجب مواجهة ذلك الان من اجل محاولة ضمان استمراريتهم وحمايتهم".
وتابع قائلا "لا يمكنهم مواجهة مقتدى بشكل مباشر، لا سياسيا بسبب قله مقاعدهم، ولا عسكريا، لان هذا يعني اندلاع قتال بين الشيعة، لذلك لجأوا الى المالكي".
واضاف القيادي ان "المالكي يحتاجهم ايضا لمواجهة الصدر، واعادة تسويق نفسه على انه المنقذ للفصائل المسلحة والشيعة".
المالكي ومعارضو الصدر
ونقل التقرير عن سياسي شيعي قوله ان المالكي بينما كان في المعارضة، استخدم خبرته واتصالاته وموقعه لجمع معارضي الصدر من حوله في محاولة "لمحو هزيمته واستعادة عرشه المفقود، من خلال تشكيل تحالف يعادل او اكبر من تحالف الصدر".
وبرغم ان البعض اتهم معارضي الصدر بانهم يحاولون الغاء الانتخابات والتسبب بأزمة امنية، الا ان احد مستشاري المالكي قال ان رئيس الوزراء الاسبق يسعى بدلا من ذلك الى تطوير فكرة "تصحيح الوضع الحالي سياسيا. انه (المالكي) لا يسعى الى رئاسة الحكومة، وانما ما يريده هو ضبط وتيرة الفصائل المسلحة".
واوضح مستشار المالكي ان هذه الفصائل المسلحة "تعرضت لصدمة غير متوقعة وهي خاسرة حاليا، ولا يمكنها السير مع مقتدى لانهم لا يثقون به، وهم ايضا لا يميلون الى خيار الاعتراف بهزيمتهم والانسحاب".
وتابع قائلا ان "التصحيح السياسي للوضع هو الحل. والاتفاق السياسي الذي يحفظ نفوذ الجميع ويوفر لهم الحماية المطلوبة بإمكانه ان ينهي المشكلة ويرضي كل الاطراف".
اما عن طبيعة هذا "التصحيح السياسي" الذي يقترحه المالكي، فيقول قيادي في عصائب اهل الحق، انه يتمثل بالعودة الى التوافق وتشكيل حكومة "مشاركة وطنية"، اي ان يتوحد معسكرا الصدر والمالكي، وبذلك "يعود الجميع الى منازلهم دون مشاكل".
وقال قيادي سياسي مقرب من المالكي ان رئيس الوزراء الاسبق "يعتقد انه الوحيد القادر على احتواء الفصائل المسلحة، لذا حان الوقت لتقديم نفسه كعراب ومرشد للعملية السياسية، وليس كرئيس للوزراء كما يروج البعض. فهل ينجح في اي من مساعيه؟ هذه قضية اخرى".