طالب عبد العزيز
كأننا بحكومة الكاظمي وقد تنبهت أخيرا الى أهمية الثقافة في ارسال رسائل مطمئنة الى الناس، وأنَّ مسافة موشاة بالضوء والامل يمكننا الوصول اليها بسلام، على عربة المعرفة والموسيقى، ولعل سلسلة معارض الكتب والمهرجانات والاماسي الغنائية في بغداد والبصرة والحلة وسواها من المدن تؤكد ما نشير اليه، بل وكانها تريد أن تقول لخصومها، في الاحزاب الاسلامية النافذة والفصائل المسلحة ما معناه:” إذا كنتم تريدون الموت للعراقيين فالعراقيون يريدون الحياة» .
بالامس، أحبط جمهور مدينة بابل محاولات أحفاد كورش في اجهاض مهرجان بابل الفني، وتحطمت شرورهم على اسوار أوروك العظيمة، بعد أن قرر الشباب الرافديني التشريني بأن بابل لن تكون ولاية تابعة للأخمينيين الجدد، وستحكمها والى الابد آلهة الجمال العراقية، وإذا كان كورش الاول سنة539 ق.ب قد زعم بأنه الوريث الشرعي للملوك البابليين القدماء، فأنَّ بابل لن يرثها غير العراقيين، وهي اليوم ليست بابل الامس، وما في القضية من تحدٍّ لأحد، إذ الامر يستدعي النهوض بالروح الرافدينية العظيمة، وللعراقيين الحق بالحديث في ذلك، مثلما للإيرانيين الحق في الحديث عن غابر امجادهم في الشرق.
وهم إرث الالوهة الذي إدعاه كوروش في بابل قبل نحو من ثلاثة آلاف سنة يتجدد في الوسط والجنوب العراقيين، فنحن نسمع بين الحين والآخر من المتحدثين الايرانيين، مسؤولين أو خارج ذلك، أحاديث تصرّح علناً بتبعية بلاد الرافدين الى بلاد فارس، وهناك من يشهر الخرائط والقسامات (الشرعية) أمام الكاميرات، غير مبالين بالحدود الدولية والسيادة الوطنية والوثائق الاممية، هكذا، في ظل ضعف الحكومات التي تعاقبت، متجاهلين حكمة الآلهة العظيمة، التي حفظت بابل لقرون طويلة، وها هم الشباب التشرينيون يستعيدونها بالرقص والاغنية والموسيقى على مسرح ننماخ العظيم، وداخل أسوار المدينة التاريخية، منتشين بما تحقق لهم من نصر.
تعالوا، يا أبناء آلهة العراق الجدد، تعالوا يا حفدة المجد والعظمة، وادخلوا البوابة الكبيرة لسور المدينة الداخلي، فأنكم ستصلون شارع الموكب، الطريق المقدس، الذي يصل المدينة ببيت “ أكيتو” ويخترق الشارع من بوابة عشتار، في اتجاهه نحو الجنوب، وليمتد بكم حتى تكونوا عند الجهة الشرقية للقصر الجنوبي، ومن هناك ، من البوابة يمكنكم العبور إلى قناة” ليبيل حيكال” عبر الجسر الخشبي إلى معبد (نابو شخاري) الصائر الى الجهة الغربية منها، سيستمر الشارع جنوباً، بمحاذاة سور الزقورة، ومعبد أيساكلا، لينعطف غرباً حتى تصلوا نهر (أراختو) المترع والمنساب بمياه الفرات.
من البصرة الى بابل فبغداد فالموصل تتعالى الأصوات منشدة للعراق، نحن لا نكتب مديحاً للتاريخ حسب، لكننا، نتحدى، ونتحدث عن المجد الذي كان يوما سومر وبابل وآشور ونينوى، عن البطل الاسطوري جلجامش وعن آلهة الخصب والنماء عشتار الخالدة .. هذه المدن الكونية التي قامت بالحكمة وبالآلهة وبالمحاربين العظماء، وانتزعت إعتراف الدنيا، تُسترجع اليوم بالرقص والغناء والموسيقى وبروح الشباب التشريني، صانعي غدنا الاكيد.