علي حسين
لم تنته بعد ردود الافعال حول جائزة نوبل للاداب لعام 2021 والتي فاز بها الكاتب التانزاني عبد الرزاق قرنح ،
حيث اثار فوزه جدلاً واسعاً بين أوساط القراء ، فالبعض وجد ان الجائزة ذهبت لشخص مغمور وتعمدت ان تنسى كتابا من امثال كونديرا ومارغريت آتوود ، وهوراكي موراكامي ، فيما رحب البعض الآخر بمنح الجائزة لكاتب يناصر قضايا المهجرين ويدين الاستعمار ، حتى فاجأتنا جائزة البوكر بان منحت هذا العام الى كاتب من جنوب افريقيا " دامون غالغوت " عن روايته " الوعد" التي سلط الضوء فيها على ماساة الفصل العنصري في بلاده .. هل انتهت المفاجاة ؟
بالتاكيد ستكون هناك واحدة من بلاد مارسيل بروست حيث منحت جائزة الغونكور الفرنسية الشهيرة للكاتب السنغالي الشاب محمد مبوغار عن روايته " ذاكرة الرجال الأكثر سريةً " وهي روايته الرابعة ، يتناول في رواياته موضوعات الهجرة والعنف والارهاب . انه عام الادب الافريقي هكذا قال "دامون غالغوت " وهو يتسلم جائزة البوكر :" "لقد كان هذا العام رائعا للكتابة الأفريقية" ، مضيفا انه يتسلم الجائزة :" نيابة عن كل الحكايات التي رويت والتي لم ترو، وعن الكتاب الذين سُمع صوتهم ومن لم يُسمع صوته ، في القارة الرائعة التي أنا جزء منها .. استمروا في الاستماع إلينا فهناك المزيد قادم في المستقبل" . يصف نفسه بأنه "مهووس" باليوغا ، يكتب بخط طويل على دفاتر الملاحظات أولاً بدلاً من آلة كاتبة أو كمبيوتر. بعد الانتهاء من المسودة يقوم بنقلها إلى الكمبيوتر:" استخدم قلم حبر باركر مغطى بصدف السلحفاة منذ أن كنت في العشرين من عمري " .
بات " دامون غالغوت " ثالث روائي من جنوب افريقيا يحصل على جائزة المان بوكر طوال اعوامها الـ " 53 " حيث سبقه جي إم كوتزي ونادين غورديمر ، وصفت صحيفة الغارديان روايته " الوعد " الفائزة بالبوكر لهذا العام بانها " تجعلنا نرى ونفكر من جديد " ، وقالت رئيسة لجنة التحكيم المؤرخة والاستاذة الجامعية مايا جاسانوف اننا امام رواية غير عادية وموضوعات ثرية ، وسلاسة مذهلة :" مع كل قراءة لهذه الرواية ، سوف نكتشف شيئًا جديدًا".
في مقابلة مع صحيفة الغارديان قال " دامون غالغوت " عند ترشيح روايته الوعد للقائمة القصيرة:" اشعر بالقلق مثلما حدث عندما وصلت رواياتي للقائمة القصيرة عام 2003 و2021 ،فانت لبضعة أسابيع واحد من ستة فائزين ، ثم وفجأة هناك فائز واحد فقط ، والبقية يطويهم النسيان " ، لكن هذا الاربعاء الثالث من تشرين الاول عام 2021 كان مختلفا ، فقد اعلنت لجنة الجائزة فوزه مشيدين بروايته التي تجمع بين نثر فوكنر ودقة ناباكوف على حد تعبير بيان اللجنة ، غالغوت البالغ من العمر " 57 " قال للصحفينن عندما تسلم الجائزة :" من الافضل أن تسألونني غدا ، أعصابي متوترة ، لم أكن أتوقع حقا أن أقف هنا." ، ثم اضاف:" لقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً للوصول إلى هنا " .
رواية " الوعد " هي تاسع رواياته ، والاولى بعد سبع سنوات ، استمر في كتابتها اربعة اعوام ، قال ان فكرة الرواية تولدت اثناء جلسة مع احد الاصدقاء لاحتساء النبيذ :" كان الصديق يصف جنازات والديه وشقيقه وشقيقته . وعلى الرغم من مشاهد الحزن ، كان اثناء حديثه يحول المأساة إلى كوميديا ، من خلال التركيز على تصرفات الأحياء" .
تتناول " الوعد حياة مجموعة من البيض الجنوب أفريقيين ، عندما كانت جنوب إفريقيا في حالة اضطراب سياسي . يشير عنوان الرواية إلى الوعد غير المحقق بالمساواة الاجتماعية بعد نهاية الفصل العنصري ، وإلى وعد احدى بطلات الرواية تنتمي الى العائلة البيضاء بترك المنزل بعد وفاتها للخادمة السوداء ، " سالومي" التي رعتها اثناء اصابتها بمرض السرطان ، مما يتسبب في حدوث شرخ في العائلة .
في مقابلة معه بعد حفل توزيع الجوائز قال غالغوت إنه يريد تسليط الضوء الى فترة ما بعد الفصل العنصري لتوثيق ما شعر به الناس من خيبات للامال . يسخر من الذين يقولون ان الروايات تغير العالم :" أنا حقا لا أصدق ذلك ، تخبرك الروايات كيف تشعر أنك على قيد الحياة في لحظة معينة من التاريخ. أراها كسجل أكثر من كونها عاملا للتغيير ".تابع غالغوت: " أعرف أن بعض الروائيين وبعض النقاد قد يرون في ذلك إخفاقا في عملي، إنهم يعتقدون أن الروائيين من المفترض أن يشيروا إلى الطريق الأخلاقي للمضي قدما ، لكنني أشعر بعدم الارتياح الشديد لمثل هذا الدور ،".. يرى ان موضوعة الارض ومن يملكها ، ومن كان يمتلكها ، ومن سيمتلكها في المستقبل ، هو الموضوع الأساسي للحياة السياسية في جنوب إفريقيا الآن .
كاد " دامون غالغوت " المولود في الثاني عشر من تشرين الثاني عام 1963 في بريتوريا ، أن يموت في سن السادسة عندما اكتشف الاطباء اصابته بسرطان الغدد الليمفاوية ، عمل والده في التدريس .. في السابعة عشر من عمره نُشرت روايته الأولى "موسم بلا خطيئة" عام 1982 ، لكنها لم تلق الاهتمام ، حاول في كتابه الثاني " دائرة الكائنات الصغيرة " وهو مجموعة قصص قصيرة ان يشرح للقراء معركته مع السرطان . في ذلك الوقت تفرغ للقراءة بتشجيع من والديه :" لا يزال بإمكان الكتب أن تنقلني إلى مكان آخر تماما ، وهذا هو الهدف منها ، على ما أعتقد " .يقول ان الكتابة منحته حرية لم يشعر بها من قبل :" يمكنني القفز بين وجهات نظر متعددة ،. يمكنني كسر الجدار الرابع ، كما يحدث في المسرح والسينما ، ومخاطبة القارئ مباشرة " . لم تصل رواياته الى جمهور واسع القراء إلا بعد ان نشر روايته " الدكتور الجيد " عام 2003. استقبل النقاد الرواية بحماس ، يروي فيها حكاية شخصيتين متناقضتين بمستشفى ريفي في جنوب إفريقيا بعد فترة الفصل العنصري ، تم ترشيحها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر . عام 2010 تصل روايته " في غرفة غريبة " الى القائمة القصيرة ايضا ، وصفتها صحيفة الغارديان بانها رواية مذهلة ومزعجة في نفس الوقت .
وصف النقاد روايته " الوعد " بانها ملحمة آسرة ، مليئة بالحوادث والخلافات والموت ، لكنها ايضا تحوي الكثير من الكوميديا :" لا يمكن ان تكتب رواية من دون هامش إنساني مضحك " ، اسمتر لاكثر من اربعة اعوام في كتابة " الوعد " ، يقول انه في كل مرة يتعثر ، يضع الرواية جانبا وينشغل بكتابة سيناريو سينمائي ، عندما يعود الى كتابتها لا تفارقه اللقطة السينمائية ومن خلالها يراقب شخصياته ويعلق عليها ويسخر منها ، من خلال العدسات التي ينظر فيها ابطال الرواية الى العالم ، يروي قصة جنوب إفريقيا وانتقالها المضطرب من دولة الفصل العنصري إلى ديمقراطية متعددة الأعراق.
في الأسبوع الماضي كتبت دامون غالغوت مقالا قال فيه : " ماذا يعني عدم رؤية انفسنا تنعكس في قصص البلدان التي ولدنا فيها ؟ كان هذا هو النقاش الدائر حول مسيرتي المهنية ككاتب والتي امتدت ما يقرب الـ 50عاما ، واعلم جيدا ، أن لم نكتب عن ما يجري في حولي ، فلن يقوم أحد بذلك. " ، في بيان لجنة جائزة البوكر وصفت رواية " الوعد " بانها تعليق متميز على تاريخ جنوب إفريقيا والإنسانية باكملها ، يمكن تلخيصه في سؤال يدور في اذهان الملايين : هل العدالة الحقيقية موجودة في هذا العالم؟.