TOP

جريدة المدى > عام > نوبل والبوكر وغونكور تدخلنا عام الأدب الافريقي

نوبل والبوكر وغونكور تدخلنا عام الأدب الافريقي

نشر في: 6 نوفمبر, 2021: 11:17 م

 علي حسين

لم تنته بعد ردود الافعال حول جائزة نوبل للاداب لعام 2021 والتي فاز بها الكاتب التانزاني عبد الرزاق قرنح ،

حيث اثار فوزه جدلاً واسعاً بين أوساط القراء ، فالبعض وجد ان الجائزة ذهبت لشخص مغمور وتعمدت ان تنسى كتابا من امثال كونديرا ومارغريت آتوود ، وهوراكي موراكامي ، فيما رحب البعض الآخر بمنح الجائزة لكاتب يناصر قضايا المهجرين ويدين الاستعمار ، حتى فاجأتنا جائزة البوكر بان منحت هذا العام الى كاتب من جنوب افريقيا " دامون غالغوت " عن روايته " الوعد" التي سلط الضوء فيها على ماساة الفصل العنصري في بلاده .. هل انتهت المفاجاة ؟

بالتاكيد ستكون هناك واحدة من بلاد مارسيل بروست حيث منحت جائزة الغونكور الفرنسية الشهيرة للكاتب السنغالي الشاب محمد مبوغار عن روايته " ذاكرة الرجال الأكثر سريةً " وهي روايته الرابعة ، يتناول في رواياته موضوعات الهجرة والعنف والارهاب . انه عام الادب الافريقي هكذا قال "دامون غالغوت " وهو يتسلم جائزة البوكر :" "لقد كان هذا العام رائعا للكتابة الأفريقية" ، مضيفا انه يتسلم الجائزة :" نيابة عن كل الحكايات التي رويت والتي لم ترو، وعن الكتاب الذين سُمع صوتهم ومن لم يُسمع صوته ، في القارة الرائعة التي أنا جزء منها .. استمروا في الاستماع إلينا فهناك المزيد قادم في المستقبل" . يصف نفسه بأنه "مهووس" باليوغا ، يكتب بخط طويل على دفاتر الملاحظات أولاً بدلاً من آلة كاتبة أو كمبيوتر. بعد الانتهاء من المسودة يقوم بنقلها إلى الكمبيوتر:" استخدم قلم حبر باركر مغطى بصدف السلحفاة منذ أن كنت في العشرين من عمري " .

بات " دامون غالغوت " ثالث روائي من جنوب افريقيا يحصل على جائزة المان بوكر طوال اعوامها الـ " 53 " حيث سبقه جي إم كوتزي ونادين غورديمر ، وصفت صحيفة الغارديان روايته " الوعد " الفائزة بالبوكر لهذا العام بانها " تجعلنا نرى ونفكر من جديد " ، وقالت رئيسة لجنة التحكيم المؤرخة والاستاذة الجامعية مايا جاسانوف اننا امام رواية غير عادية وموضوعات ثرية ، وسلاسة مذهلة :" مع كل قراءة لهذه الرواية ، سوف نكتشف شيئًا جديدًا".

في مقابلة مع صحيفة الغارديان قال " دامون غالغوت " عند ترشيح روايته الوعد للقائمة القصيرة:" اشعر بالقلق مثلما حدث عندما وصلت رواياتي للقائمة القصيرة عام 2003 و2021 ،فانت لبضعة أسابيع واحد من ستة فائزين ، ثم وفجأة هناك فائز واحد فقط ، والبقية يطويهم النسيان " ، لكن هذا الاربعاء الثالث من تشرين الاول عام 2021 كان مختلفا ، فقد اعلنت لجنة الجائزة فوزه مشيدين بروايته التي تجمع بين نثر فوكنر ودقة ناباكوف على حد تعبير بيان اللجنة ، غالغوت البالغ من العمر " 57 " قال للصحفينن عندما تسلم الجائزة :" من الافضل أن تسألونني غدا ، أعصابي متوترة ، لم أكن أتوقع حقا أن أقف هنا." ، ثم اضاف:" لقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً للوصول إلى هنا " .

رواية " الوعد " هي تاسع رواياته ، والاولى بعد سبع سنوات ، استمر في كتابتها اربعة اعوام ، قال ان فكرة الرواية تولدت اثناء جلسة مع احد الاصدقاء لاحتساء النبيذ :" كان الصديق يصف جنازات والديه وشقيقه وشقيقته . وعلى الرغم من مشاهد الحزن ، كان اثناء حديثه يحول المأساة إلى كوميديا ، من خلال التركيز على تصرفات الأحياء" .

تتناول " الوعد حياة مجموعة من البيض الجنوب أفريقيين ، عندما كانت جنوب إفريقيا في حالة اضطراب سياسي . يشير عنوان الرواية إلى الوعد غير المحقق بالمساواة الاجتماعية بعد نهاية الفصل العنصري ، وإلى وعد احدى بطلات الرواية تنتمي الى العائلة البيضاء بترك المنزل بعد وفاتها للخادمة السوداء ، " سالومي" التي رعتها اثناء اصابتها بمرض السرطان ، مما يتسبب في حدوث شرخ في العائلة .

في مقابلة معه بعد حفل توزيع الجوائز قال غالغوت إنه يريد تسليط الضوء الى فترة ما بعد الفصل العنصري لتوثيق ما شعر به الناس من خيبات للامال . يسخر من الذين يقولون ان الروايات تغير العالم :" أنا حقا لا أصدق ذلك ، تخبرك الروايات كيف تشعر أنك على قيد الحياة في لحظة معينة من التاريخ. أراها كسجل أكثر من كونها عاملا للتغيير ".تابع غالغوت: " أعرف أن بعض الروائيين وبعض النقاد قد يرون في ذلك إخفاقا في عملي، إنهم يعتقدون أن الروائيين من المفترض أن يشيروا إلى الطريق الأخلاقي للمضي قدما ، لكنني أشعر بعدم الارتياح الشديد لمثل هذا الدور ،".. يرى ان موضوعة الارض ومن يملكها ، ومن كان يمتلكها ، ومن سيمتلكها في المستقبل ، هو الموضوع الأساسي للحياة السياسية في جنوب إفريقيا الآن .

كاد " دامون غالغوت " المولود في الثاني عشر من تشرين الثاني عام 1963 في بريتوريا ، أن يموت في سن السادسة عندما اكتشف الاطباء اصابته بسرطان الغدد الليمفاوية ، عمل والده في التدريس .. في السابعة عشر من عمره نُشرت روايته الأولى "موسم بلا خطيئة" عام 1982 ، لكنها لم تلق الاهتمام ، حاول في كتابه الثاني " دائرة الكائنات الصغيرة " وهو مجموعة قصص قصيرة ان يشرح للقراء معركته مع السرطان . في ذلك الوقت تفرغ للقراءة بتشجيع من والديه :" لا يزال بإمكان الكتب أن تنقلني إلى مكان آخر تماما ، وهذا هو الهدف منها ، على ما أعتقد " .يقول ان الكتابة منحته حرية لم يشعر بها من قبل :" يمكنني القفز بين وجهات نظر متعددة ،. يمكنني كسر الجدار الرابع ، كما يحدث في المسرح والسينما ، ومخاطبة القارئ مباشرة " . لم تصل رواياته الى جمهور واسع القراء إلا بعد ان نشر روايته " الدكتور الجيد " عام 2003. استقبل النقاد الرواية بحماس ، يروي فيها حكاية شخصيتين متناقضتين بمستشفى ريفي في جنوب إفريقيا بعد فترة الفصل العنصري ، تم ترشيحها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر . عام 2010 تصل روايته " في غرفة غريبة " الى القائمة القصيرة ايضا ، وصفتها صحيفة الغارديان بانها رواية مذهلة ومزعجة في نفس الوقت .

وصف النقاد روايته " الوعد " بانها ملحمة آسرة ، مليئة بالحوادث والخلافات والموت ، لكنها ايضا تحوي الكثير من الكوميديا :" لا يمكن ان تكتب رواية من دون هامش إنساني مضحك " ، اسمتر لاكثر من اربعة اعوام في كتابة " الوعد " ، يقول انه في كل مرة يتعثر ، يضع الرواية جانبا وينشغل بكتابة سيناريو سينمائي ، عندما يعود الى كتابتها لا تفارقه اللقطة السينمائية ومن خلالها يراقب شخصياته ويعلق عليها ويسخر منها ، من خلال العدسات التي ينظر فيها ابطال الرواية الى العالم ، يروي قصة جنوب إفريقيا وانتقالها المضطرب من دولة الفصل العنصري إلى ديمقراطية متعددة الأعراق.

في الأسبوع الماضي كتبت دامون غالغوت مقالا قال فيه : " ماذا يعني عدم رؤية انفسنا تنعكس في قصص البلدان التي ولدنا فيها ؟ كان هذا هو النقاش الدائر حول مسيرتي المهنية ككاتب والتي امتدت ما يقرب الـ 50عاما ، واعلم جيدا ، أن لم نكتب عن ما يجري في حولي ، فلن يقوم أحد بذلك. " ، في بيان لجنة جائزة البوكر وصفت رواية " الوعد " بانها تعليق متميز على تاريخ جنوب إفريقيا والإنسانية باكملها ، يمكن تلخيصه في سؤال يدور في اذهان الملايين : هل العدالة الحقيقية موجودة في هذا العالم؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram