TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: ثقبٌ في جدار الكهف

قناديل: ثقبٌ في جدار الكهف

نشر في: 6 نوفمبر, 2021: 11:20 م

 لطفية الدليمي

كم كان أفلاطون عبقرياً رائياً عندما تحدّث عن كهف يعيشُ فيه الناسُ معظم حياتهم ، وربما كلها . ليس الكهف الأفلاطوني تخريجة فلسفية أراد أفلاطون من ورائها الكشف عن الأوهام التي تَحُولُ بيننا وحقيقة الواقع الذي نعيشه. قد تكون إستعارة تصويرية حاذقة ؛ لكنها أكبر من ذلك، وماهو أهمّ أنها مثالٌ ممتد عبر الزمان والمكان .

كلٌّ منّا يعيشُ داخل كهفه الأفلاطوني ، وليس سوى جهودنا الذاتية المنقادة برؤية نزيهة مايستطيعُ إنقاذنا من أوهام هذا الكهف . أوهامُ هذا الكهف صنفان : داخلية يرى فيها المرء نفسه وقدراته مضخّمة بمقادير على غير حقيقتها، والثانية خارجية تختصُّ بإختلالات خطيرة في رؤية المرء لما يحصل خارج نطاق الكهف .

لو شاء بعضنا العيش طيلة عمره داخل كهفه فَلَهُ ذلك . هذا شأنه الخاص . لامشكلة في ذلك ؛ لكنها معضلة كبرى عندما يكون ( حبيس الكهف ) هذا ممسكاً بمفصل حيوي من مفاصل العمل الوظيفي العام . ماذا لو كان هذا الشخص مشتغلا بالشأن الثقافي ؟ قد يتصوّرُ بعضنا إستحالة هذه الحالة؛ لكننا سنكون عميان بصيرةٍ ونظر لو شئنا تجاهل هذه الحقيقة . يكتبُ بعضُ هؤلاء أطروحاتٍ تنمُّ عن نرجسية متضخّمة ودورانٍ في فلك الذات بطريقة لايمكن غضّ الطرف عنها أو تجاهل مضامينها الخاوية . يمسكُ بطرف موضوعة ، ثمّ تراه يلتفُّ ويلتفّ ولايغنيك في نهاية الأمر بمعلومة أو فكرة أو رؤية أو رأي . إنه يسوقُ لك أوهاماً ولاشيء غير هذا . أتساءلُ دوماً في مثل هذه الحالات : هل قرأ ( فلان ) الكاتب أو المختصُّ بالأدب ، على سبيل المثال ، سلسلة كتب ( تأريخ النقد الأدبي الحديث ) للراحل ( رينيه ويليك ) ؟ تقرأ صفحة في كلّ كتاب منها وإذا بشلّال من الأفكار والأسماء والأفكار يرشقك على نحو لاينقطع ؛ فتتساءل : كيف تسنّى لويليك قراءة كلّ هذه المصادر ؟ هل كان يقرأ حتى وهو يستحمّ؟ شيء لايكاد يصدّقه المرء . لم يكن ويليك طبعاً يتحدّث عن كتبٍ ومصادر لم يقرأها . هذا شيء لايمكن أن يحصل مع مؤلف من طراز ويليك ؛ لكنه - للأسف - يحصل عندنا . أضاف ويليك الكثير من الإضاءات على الأعمال التي تناولها في كتبه ، ولم يعمد إلى كتابة تمويهية يلفها الغموض .

الأمر ذاته يحصل مع الكتابة في الحقل العلمي . عندما توفي قبل بضعة شهور ( ستيفن واينبرغ ) الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء قرأت مقالات عديدة عنه وراجعتُ قائمة كتبه ومنشوراته ، فوجدتُ أنه ألّف حوالي خمسة عشر كتاباً مرجعياً ( بضمنها مقرّرات جامعية معتمدة ) فضلاً عن مئات الأوراق العلمية المنشورة في مراجع علمية عالمية .

لو كانت لنا القدرة على إحداث ثقب في جدار كهفنا الأفلاطوني – حتى لو بمقدار خرم إبرة – لعرفنا كمّ الأوهام والأباطيل التي نستطيب العيش معها ، ونسعى لإقناع الناس بأنها حقائق أكيدة.

من أين تنشأ هذه الأوهام ؟ تنشأ من غياب مرجعية معرفية محترمة يمكن أن تكون بوصلة حقيقية تكشف للمرء قدراته من غير مبالغات أو مجاملات . الشخص ذاته يتحمل مسؤولية أن يغادر أوهامه . عليه أن يثقب جدار كهفه ، وأن يواصل العمل على توسيع هذا الثقب ليتحوّل من خرم إبرة إلى كوّة كبيرة بحجم نافذة .

لو شاء حبيس الكهف مغادرة كهفه لاستطاع ، ولو شاء أن لايفعل فيمكنه ذلك أيضاً . المهمّ في الأمر أن لايقاتل لتسويق أوهامه إلى الآخرين .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram